الجمعة، ٢٣ نوفمبر ٢٠٠٧

تداعيات نهار جمعوى رتيب


انقذ جواهرك..هكذا قالت قبل أن يوقظني أبي مباشرة..فحاولت مغالبة اليقظة لأعرف إكمال جملتها ..ففشلت..دسست كفي أعلي قفاي هارشاً ..انبعثت رائحة ذكية..شممت يدي..يالله..رائحة جميلة فعلاً..يبدو أني كنت أضاجع أنثي شديدة النعومة في منامى..فهكذا توحى الرائحة..ويبدو أنها اندست بداخلي كهرة وتمسحت طويلاً بجلدي المشعر حتي أكسبته رائحتها..أكبر عيوبي أني لا أتذكر أحلامى نهائياً ..أنساها تماماً ويبقي لى من أثرها ما يملؤنى حسرة على ذلك النسيان..أتكون تلك الأحلام هي الجواهر التي قصدتها عندما قالت:انقذ جواهرك..لست متأكداً

الدنيا تعطيك ما هو لك..وليس ما عندها..هكذا قال قبل أن يصنفنى كأحد السحرة والمشعوذين ..وقبل أن ينفرط عقد مسبحته ، فنويت أن أنتف شعرة واحدة من ذقنه من جذورها لأمارس عليها سحري الأسود فتنبت لى لحية مثل التي يملكها تماماً..فتعشقنى من تعشقه..وأجتازه ممتطياً جواد فرق السن ممتشقاً حسام الشهوة الجامحة غير متنازل عن جعبة رماح الكراهية والطغيان..ونقف أمامها متحاذيان..نساوى الصف ونسد الفُرج..فتختار ثالثنا وتمضى وذيلها يهش الذباب الذي يلتقط قطرات العسل المنهدلة من طرف ضفيرتها..فنتواجه حينها..أضحك له بلا أسنان..فيحيينى تحية يابانية..ويحرم كل منا الآخر من متعة قتله ..فننتحر.. في اللحظة ذاتها

شمس جمعة نوفمبرية ..وشيخ ينعق ويهذي ويسلط خرافاته على رؤوس نائمة ..ستصحو حتماً عندما تبدأ مباريات الفصال عند شراء الخضروات والفاكهة بعد انتهاء الصلاة الاسبوعية..تلك المؤداه رغبة في مسح ذنوب قائمة كجبال صلدة تُغذيَ كل ساعة برواسب جيرية قذرة..جلود سميكة..وصلعات بلاستيكية..وقلوب أدمنت صمت الاحساس.. و أرجل تمشي بقوى الدفع الذاتى وأعين جاحظة..تعري..وتعري ..وتعري

غارق ولا أعرف-ولا أحب أن أعرف-السباحة في بركة نجسة من علم لا ينتفع به..أهرب منه الى داخلى..أتشرنق داخل ذاتى..أقلب عينى للداخل..أسمع ما أريد سماعه فقط..وألغي خاصية الكلام..أجري لاهثاً ..أتعثر..أقوم..أكمل.. ليس لي طريق محدد ..متاهة مستمرة دائمة..أمر بنفس النقاط عدة مرات..لا أتعلم..كلما تتزايد سرعتى تتعاظم طاقاتى التى لا أعرف كيف استنفذها؟؟ أكاد أضيء..أشتعل..أنفجر..أمارس مجهودات مضاعفة كى أبطيء من سرعتى .. أستنفر قوتى لأقصاها ..أضغط على أعصابي بقسوة حتى تحتقن..لأتوقف..أتناول كوبين ونصف الكوب من هواء ملوث بنتف شديدة الصغر من ريش خفاش أرمل..تستبد بي رغبة في اخصاء كل الآباء..كل الرؤساء..وذكور القطط ..أبدأ في التحرك لا إرادياً ..عقلي يرفض..تنفصل رأسي ..ينطلق جسدى بدونها كمتسابق ماراثونى اقترب من كسر رقمه القياسي..انتشلنى هذا الانفصال البشع..فانفتحت عيناى على دنيا السأم ..وسمعت أذناى إصرار أبي على ايقاظى..وكانت جملة "انقذ جواهرك"هي آخر ما سمعت..قبل أن يفعل

الخميس، ١٥ نوفمبر ٢٠٠٧

كود ساويرس


مزج مرتب من سبعة أرقام يسبقهم
كود ساويرس

0

أكثر الأرقام -الغير سالبة-تعبيراً عني ..أحسه رقماً عبقرياً يلخص كل شيء في اللاشيء ..لا يحمل أي دلالات عبثية .. بل هو الجنون ذاته .. يفرض سطوته بأريحية قبل البدايات المزعومة وبعد النهايات المُرغِمة ،أراه مزهواً بنفسه.. يشعر بثقة أفتقدها ..يقف في وجهي متحدياً ليعلن أنني من أشبهه وليس العكس.. يحمل بين طياته العدمية عدد قراراتي الحرة و سعاداتي الحقيقية وابتساماتي من القلب ، ورغم أني أعشقه لدرجة المقت إلا أنه يقف في الفراغ ليغيظني ويصفر برسمته التي تشبه الشفاه التي اتخذت وضع إطلاق ذلك الصوت المنغم الذي فشلت في صنعه منذ صغري كما فشلت فشلاً ذريعاً في تعلم قيادة الدراجات .. له الحق –كل الحق- في أن يصفر...أليس صفراً!!!

1

ينكر احتياجه .. يقف بلا انحناءات ..يقهرني بتفرده.. الطريق إليه طويل طويل لمجرد التفكير في جعله مثلاً أعلي ..أحاول..وكلما حاولت أدفع الثمن .. وحيد أنا وهو واحد ..الفرق شاسع.. صوته عالي وحاد ..وأنا أتحدث همساً خشية الخطأ.. أقلده دائماً مع أني لا أمتلك ربع قوته ولا ظل صموده ، يقبل التذكير والتأنيث وأنا أرفل في البين بين ..بين فحولة جسدي وذكورة تكويني وهياجي الثوري وبين عقلي الذي يؤمن بأنثوية الوجود والقرار.. بين الذكورة كخلل والأنوثة كملاط يلصق الأحجار الذكورية لتملأ الخلال وخلال الخلال فينضبط الحائط الكوني ويقف منتصباً ككيان واحد ..واحد.

2

لي أب وأم ..إثنان..شخصيتان روائيتان .. ساهما كل بقدر وافر من عيوبه في تشكيلي ،أمي واقعية لدرجة الاشمئزاز وبالرغم من ذلك فقد استطاع أبي بثعلبيته أن يضفي عليها –ولو القليل-من شخصيته الزئبقية ..فجعلها تؤمن بالتفاؤل والتشاؤم..بل وتتفاءل مثله بالأرقام الفردية ..كدلالة علي إيمان زائف بزعم أن السير وراء الرقم"واحد" في سير الأرقام الفردية يقربنا من الله الواحد..هراء.. ليس عناداً ولكني أحببت الرقم اثنين ..لا أعرف لماذا..قد يكون السبب نزوعي الدائم للإكتمال ،والإكتمال –في نظري- لن يتأتى إلا بالتصادم المرن بين زوجين من أي كائن خلقه الله لهذه الغاية ..فقد كان بمقدور الله-بالطبع- أن يخلق البشر من جنس واحد مزدوج الجنس يتكاثر ذاتياً ك"الأميبا" وغيرها من الكائنات الأولية ، ولكنه وضع الجنس كأيقونة في أجساد عباده كي يستمر بقاؤهم ،ولولاه لقامت حرباً أزلية أبدية بين نوعي المخلوقات وانقسموا فريقين كل فريق منكفيء علي ذاته مكتفٍ بها ..لا يرغب في الطرف الأخر ولا يبحث عن سبيل للإتصال به ، بل علي العكس يعاديه ،وبدلاً من أن تتشكل البشرية "إثنان إثنان" كانت ستصبح "واحد واحد" ولن تسير حينها إلا بطريق واحد...الهلاك..لا محالة.

7

رقم أسطوري ..ليس له تفسير إلا به..فعجائب الدنيا سبع ،السماوات سبع، الفنون سبعة،أيام الأسبوع سبعة،أبواب جهنم سبعة،عدد أشواط الطواف والسعي في الحج- خامس فروض ديانة الإسلام-سبعة ،علامة النصر إشارة بالأصابع علي هيئة الرقم سبعة ،سبع مريمات فى الكتاب المقدس ،ألوان قوس قزح سبعة ،يفتح الذكر ذراعيه لإحتضان أنثاه علي شكل الرقم سبعة وتفتح هي له فخذاها-لتكافئه-علي غرار العدد سبعة............ لي "ست" حبيبات سابقات ..فهل ستنضم إليهن حبيبتي الحالية ..أم سأحقق معها أسطورتي الذاتية وأقدس –حينها- الرقم سبعة؟؟

2

لي من الإخوة إثنان ..أختي شخصية معقدة للغاية ..في بعض الأحيان طبيعية –مع عدم إعترافي بذلك المصطلح –تبحث عن المفروض والجائز والمحبب وفي أحيان أخري تضحي غرائبية فتصدق أحلامها وتتوقع ما يحدث فعلاً ..أما أخي ..قد يبدو فظاً من الوهلة الأولي ولكن اسمه الذي يحمل معني "الرجل الجميل" قد أشار لقلبه مباشرة ..فقلب الطفل الذي يحمله بين جوانحه يزداد مع الأيام براءة ..أعجب أحياناً لهذا المخلوق الذي لا يعرف أن يكذب ..حتي عندما يحاول ..ترتجف شفتاه وتميل زاوية فمه وتضطرب نظراته لتقولان لك بصراحة : نعم.. أنا أكذب، مع أن تفكير أخي –في بعض الأوقات- يكون رجعياً بشدة إلا أنني أحترمه بقسوة وأشعر أن إقناعه بأي شيء قد يلوث فطرته النقية وأنا أرفض العبث بذلك الثوب الأبيض الذي يرتديه أخي علي جلده القمحي ..سأكتفي بالنظر إلي وجهه الأمرد الجميل المحاط بتاج من الشعر الأسود الفاحم شديد النعومة..أنظر إليه..أحبه كثيراً ..أتمني احتضانه..لكني لا أفعل.

0

عدت إلي الصفر ..محطتي المحببة للإستراحة وقد جاء رغماً عني في منتصف الطريق ليريحني ويعذبني ويُعبر هذه المرة عن مدي ارتواء جسدي ..هذا الجسد الجائع بضراوة يشتت تركيزي ..يسحب عقلي للأسفل كلما أردت له ارتقاءاً ، ولكني ألتمس له العذر ،فهذا حقه أن يغير من المعدة الصماء الجاهلة التي كلما أحاول أن أسيسها تحيلني حيواناً أعجم ..وإن رفضت الاستجابة لمطالبها التي لا تنتهي تعجزني..تقعدني تماماً ..تشل حركتي وتفكيري ..تسلبني إرادتي ، وجسدي-الذي أحبه-قد نفذ صبره..وبدأ في تسليط أسوده بداخلي لتنهشني ..وأنا استنفذت كل فرص المحاولات الفاشلة ..من تسامي وتعامي فلم يكف هو عن التنامي..فلتتخيل اختيارك فائزاً بمليون من الدولارات ..وبعد أيام تسحب منك الجائزة لخطأ لعين في تشابه الأسماء..فتنهار حينها متمنياً أنك لم تفز بها من الأساس ..وهذا ما حدث معي ..فمنذ فتحت لي-من لا أعرف هل أشكرها أم ألعنها ؟-البوابات السحرية لجسدها الطاغي ..وأنا موجه بكليتي لإتجاهها .. لا أعرف لغيرها سبيلاً ولا أقدر حتي علي التفكير في البحث عن المفر ..أحاطتني بكنوزها من بين يدي ومن خلفي..بالأعلى أجدها محلقة تأمر وأطيع ،وعندما أشرع في الضجر أجدها راكعة تحتي .. رهن إشارتي ،سافرت إليها كما يكون السفر .. وكالغارق في بحر من الرمال المتحركة استمتعت بإستغراقي فيها وبها ولها حتي الثمالة، وقبل أن تمتص –بتلذذ-آخر قطراتي الممكنة قبض ليث الفراق علي أناملي الباقية تتنفس وتري شمس الصحراء علي سطح بركة الرمال المتحركة..ومارست وحوش البعد ألعابها الإفتراسية معي بعد أن فقدتها ..وبقيت بعدها وحيداً ..كصفر ..يتباهى بعدميته.

8

مضاف علي يمينها صفراً ..سن أتمني الوصول إليه بأقصى السرعات الممكنة ..زاهداً في كل الإهتراءات الدنيوية المتكررة كفيلم رديء.. متنازلاً عن جميع المتع الجسدية والحسية المغلفة بهالات من عذابات أعظم ..حينها ..سينهزم جسدي الممشوق ويتغضن أمام عقل لن يكون له القدرة علي تذكر أبسط الأشياء ..حينها .. ستنطفيء شهوتي بلا رجعة وسأكتفي بمتعة إزاحة عبء طاقم أسناني من فمي المتراخي الخلايا..قبل أن أنام..متوقعاً الإقتراب الوشيك.. للنهاية.

2

لي عينان .. ولن أقول (من الطبيعي) .. لأني لا اعترف بأن هناك شيئاً طبيعياً وشيء غير طبيعي .. فكل ما يحدث فعلا هو طبيعي وإلا ما حدث .. فصاحب العين الواحدة طبيعي .. لأنه حدث ويحدث وسيحدث .. ومنعدم الأعين أو فاقدها طبيعي .. لأنه حدث ويحدث وسيحدث .. وحتى الذي لم يحدث.. قد يحدث ومادمنا قد دخلنا تحت طائلة "قد" فلا شيء غير طبيعي علي الإطلاق.. أري بعيني ما يعذبني ويفجر بداخلي التساؤلات والاحتمالات التي لا – ولن – تنتهي .. فتُحيل خاصية التفكير لدي لعذاب مطبق .. وحيرة لا تنتهي .. فالعينان هما البوابة الرئيسية لإتصال عالمين .. عالم الأرواح بداخلنا .. وعالم الأجساد بخارجنا .. وهذا الاتصال هو ما يضفي علي ثريد الحياة أملاح الدراما وبهارات التشويق .. طالما تمنيت –جاحداً- أن افقد عيني القاصرة طمعا في ما هو أرقي وأفضل وأسمي .. طمعا في العمى .. فعماء الأعين تنشيط للأرواح ونماء سريع وقوي للبصيرة .. فكم من مبصر بعينيه وأعمي بروحه!! في العراق ينعتون الأعمى بالبصير .. كصيغة مبالغة علي بصره النافذ وكمصطلح امتلاك لكنز البصيرة .. بافتراض أنه حدث وفقدت بصري وامتلكت البصيرة حينها سيتضاعف عذابي الداخلي وتتكشف أمامي رؤى أوضح وحقائق أبشع .. وسيضحي عقلي الملتهب كورم سرطاني يشتعل ويزداد احمراراً واحتقاناً تحت غطاء رقيق من عظام جمجمتي ولن تنتهي حيرتي إلا بنهايتي .. أحمد الله علي بصري-العاجز- وأحمده أكثر علي عدم امتلاكي للبصيرة –النافذة- فأنا غالبا ما احمد الله حمداً مضاعفاً علي ما لا املك قبل أن أشكره علي ما املك .. هل أنا بذلك أصير
مؤمنا ؟؟ .. ربما.

9

رقم عاجز..جبان..لا يقدر على اتخاذ أي خطوة إيجابية كي يكتمل ويصبح عشرة ..يشير إلي برجي الفلكي..الجوزاء..فهو برج المشروعات غير المكتملة ..يشير إلي الإنسان بوجه عام..لا إنسان مكتمل..يشير إلي الحياة ..فلا سعادة فيها كاملة ..وأنا كجوزائي أصيل ..كتبت عدة صفحات بعدة روايات ..لم أكمل-ولن أكمل- إحداها ..لبثت خمسة أعوام في دراسة تنتهي ب"ست" منها ..ثم تركتها ..لم أكمل –حتي الآن- علاقة لآخرها.. سعيي الدؤوب نحو الكمال يغرقني أكثر بدائرة النقص ، عندما تعترض أنثي-كتسعة كبري تحتاج إلي "واحد" لتكتمل- مجال رؤيتي لتجذبني بإمكانيات جسدها ..لاصطيادي أو حتي لمجرد أن تغتصب مني نظرة إعجاب ترضي غرورها .. ألحظ رأسها المثبتة فوق رقبتها كتسعة..نهداها فوق بطنها تسعة وتسعين ..مؤخرتها المستندة بشموخ علي فخذها تسعة –..فأغض بصري.. فلا أكمل شهوة النظرة ولا أخلع عن كاهلي عبء الذنب الكامل ..ذنب منقوص..كتسعة..أما الذكر ف"عشرة" متأرجح دوماً بين الصفر و الواحد ،بين عدمية الصفر ..وإكتمالية الواحد ،بين الانحطاط في الشهوة كجحش،وبين السمو في الأفكار كفيلسوف ..متأرجح دائماً ..يبحث عن الاستقرار..يفتقد ثبوت التسعة.

0

ها قد عدت إليه في نهاية المطاف ..كنت أعلم –تمام العلم- أني كما بدأت به سأنتهي إليه ..فلا مهرب منه إلا إليه..لا راد لقضاؤه ..وله الأمر من قبل ومن بعد.. كامل امتناني ولعناتي للعالم العربي الذي اخترع هذا الرقم المعجزة ..رحمه الله وأسكنه فسيح جهنماته.

والآن ..وبعد أن أصبح رقمي الخاص علي المشاع..هل يتوجب علّي تغييره؟؟؟

السبت، ١٠ نوفمبر ٢٠٠٧

أدمغة مقلوبة


المراهقون وحدهم

والعجائز

يشعرون بطعم الحياة

المراهقون لا يملكون سوي القدرة

والعجائز عُراة

إلا من الأمل


المشوهون وحدهم

هم القادرون

علي حسم جدلية

التسيير والتخيير


الدبلوماسية

هي النفاق مرتدياً نظارة طبية

وملابس كلاسيكية


الوقاحة

هي الصراحة مرتدية جلباباً بلدياً

وتدخن الشيشة



الحصان

حمار أرستقراطي

والقرد إنسان مبتسر

في حضّانة الطبيعة


الأشجار

أدمغة مقلوبة

رأسها الأصلع مدفون خجلاً

ولحاها الطويلة تبتهل لأعلي

كم تعبت لتعلمنا

أن هذا هو الوضع الصحيح


كم نحن جهلاء

الجمعة، ٢ نوفمبر ٢٠٠٧

ثلاثة افتراضات


إذا افترضنا أن الحياة كالموجات الفيزيائية تتكون من تضاغطات و تخلخلات ،فلا يصح أن نُعرِف التضاغط بأنه المساحة الواقعة بين تخلخلين،ولكننا يمكننا بكل ثقة أن نُعرِف التخلخل بأنه المساحة الواهنة التي يمكن إنكارها والتي لا نلاحظها إلا بالتدقيق الشديد والتي تقع بين كل تضاغطين،فكل هدوء تتبعه عاصفة وتسبقه واحدة،وليس شرطاً علي الإطلاق أن يتبع العاصفة هدوءاً أو يسبقها واحداً ،فالهدوئات تأتي كعودة شاب متأخراً لمنزل أسرته المتزمتة ..يخلع نعليه..لا يحدث جلبة..يسرع كفاعل الذنب الأعظم..و خلف باب حجرته يأخذ أنفاسه من رئتيه التي أوشكت علي الانخلاع من فرط الانفعال ..أما التضاغط فهو موجود ..قوي ..راسخ..نتوهم ذهابه..غيابه..ولكننا نحن فقط من ندير أبصارنا عنه لنستطيع إكمال المسيرة ..كم نحن واهمون..فمثلما نقنع أنفسنا بأن المستحيلات ثلاثة فقط ونهمل السعادة وأن الزواج استقرار وأن المباديء ثابتة وأن هناك انتصار كامل وأن هناك إمرأة ضعيفة أو رجلاً صادقاً نقنع أنفسنا أيضاً بغياب من هو راسخ رسوخ حاكم ديكتاتوري..رسوخ قبضة القدر..رسوخ ثبات حركة عقارب الساعة ودهسها لشراييننا في كل لحظة ومع كل تضاغط..و تخلخل.
إذا افترضنا الحياة في مجملها كنهار صيفي شديد الحرارة –مع الاعتذار للصيف الذي لا يحبني كثيراً- ومن حيث لا تدري تبزغ يدان خفيتان مقدمة لك كأس كريستالي شديد الرقة في تصميمه وملمسه وألوانه ،ولا تتعجل أنت في معرفة محتواه فيشغلك ملمسه الرائع لتتحسس كل جزء فيه،وتنشغل عيناك بالتغذى علي بهاؤه غير المتكرر،ثم لا تلبث أن تتذكر ريقك الجاف كصحراء فتنظر بداخله، لتجد كرات من الآيس كريم مختلف ألوانها وأنواعها وروائحها ومذاقاتها ،يجري ريقك وتمتليء أنفك بالروائح الذكية فتنتقل الكرات من تلقاء نفسها إلي فمك في متعة لا تضاهيها متعة، الكأس الكريستالي هو الحب،و الآيس كريم هو الجنس ،قد تستمتع كثيراً بالكأس ولكنك ستظل جوعاناً وقد تتناول الآيس كريم من الأرض أو من إناء كبير تنزل عليه بفمك كالبهيم،ولكنك ستصبح حينها حيواناً ،فالكأس والمحتوي ضروريان معاً لاكتمال المتعة،كفانا خجلاً مفتعلاً مما لا خجل منه ،فالجنس هو ليس فقط تلك الأفلام الإباحية التي تم تحذيرنا منها فذهبنا إليها كعادة كل ممنوع مرغوب،هو ليس فقط تلك المحاولات الدعارية مدفوعة الأجر..ولكن لمسة اليد جنس،النظرة الحانية جنس ، التربيتة الهادئة علي الكتف جنس،الهمسة في الأذن جنس ،الحضن الدافيء جنس ،الجيم جنون الحياة،جني لثمرات شجرة الحب المورقة،جنوح نحو الاكتمال،أما النون نيران تدفيء ولا تحرق،ناموس استمرار الحياة،نبذ للكراهية،وأخيراً السين سماح وسمو و سطوع جسدين في سماء ملبدة بغيوم التفاهات الصغيرة ليصنعا سيمفونية مشتركة لا يسمعها غيرهما..
إذا افترضنا أن ما سبق قد لمس شيء ما بداخل أي منكم..فأتمني ألا تكون وجنتاه قد احمرتا وهو يقرأ ،أو أنه قد تحسس أنفه أو أدار عينيه،أو حتي انتوى في داخله ألا يعيد القراءة لهذا الكاتب الداعر المختل ..فلا حياء في الفكر .