بقايا عيد الحب
كيس قمامة.. هو في الأساس لم يكن للقمامة .. ولكنها كانت "شنطة" بلاستيكية بيضاء أنيقة متراصة مع مثيلاتها علي رف أعلي من مستوي الذراع بقليل في محل ملابس متوسط الشهرة بأحد "مولات" القاهرة مطبوع عليها من الجانبين نفس الوجه لفتاة شقراء جميلة ومثيرة .. ماتت هذه الفتاة منذ ثلاثة أعوام بمرض خطير في رئتيها وهي لم تبلغ الخامسة والثلاثين بعد .. وقت التقاط الصورة لها كانت في زيارة لأمها بفرنسا .. حيث رفضت أمها ترك مارسيليا حيث التقت حبيبها الأول والوحيد المغامر الجزائري و والد الفتاة .. الفتاة المطبوع وجهها .. علي جانبي كيس القمامة..
بداخل الكيس عدة أشياء ..مثلاً.. زجاجات بيرة فارغة .. ولا يجب أن ننظر لتلك الزجاجات تلك النظرة الظالمة .. ففي الأصل كانت أوعية خضراء فارغة .. تضعها أمام عينك لتري كل ما خلفها أخضراً .. قاموا بملئها بهذا السائل وألصقوا علي صدرها تلك النجمة الخماسية كما وضعوها أعلي رأسها كتاج وأعطوها ذلك الاسم العجيب "كازوزة" .. الزجاج يُصنع من الرمل ..مثله مثل الذهب .. مثله مثل الطين الذي يصُنع منه القصور علي الشواطيء باستخدام المياة.. فتهزمها الأمواج ..أو القصور قبل الشواطيء بقليل باستخدام الملايين .. فلا يقدر علي هزيمتها شيء .. وأمام كل قصر حديقة صغيرة .. يلعب بها الأطفال الذين تغضب أمهاتهم كثيراً إن تجاوزوا سورها القصير إلي الخارج .. لأن ملابسهم سوف تتسخ بالرمال .. الرمال التي يُصنع منها القصور والذهب .. وزجاجات البيرة الفارغة ..
بداخل الكيس أيضاً علبة كارتونية حمراء .. تم "كرمشتها" اختصاراً للحيز الذي تشغله .. كانت العلبة تحوي "تورتة من الشيكولاتة " .. تم نقل التورتة من العلبة إلي الثلاجة في الليلة السابقة لعيد الحب بعد شراءها من عند ذلك الحلواني الذي يعمل عنده شاب قصير بشوش هو الذي قام ب"لف" الشريط الأصفر حول العلبة الحمراء.. قضت التورتة ليلتها بالثلاجة أملاً في أن تمر في الليلة التالية عبر شفاه عاشقة .. تلك الثلاجة نفسها قد تم تصليحها من أسبوع واحد وتعمل الآن بكفاءة عالية .. في أقل من ساعة قام بتصليحها ذلك الشاب "الألبينو" –عدو الشمس- ولم يتقاضى سوي خمسة عشر جنيهاً .. يملك ضميراً حياً هذا الشاب في زمن كادت تنقرض فيه الضمائر .. هكذا كان يخبره زميل مقعده في الكلية .. زميله القصير البشوش .. الذي يعمل الآن حلوانياً .. كان زميله لمدة أربع سنوات في كلية العلوم .. ولم يكن يعلم –و حتي الآن لا يعلم ولا أعتقد أنه سيعلم- أن تلك التورتة ستبيت ليلتها في الثلاجة التي أصلحها صديقه قبل أسبوع من الآن بعد أن نُقلت من العلبة الكارتونية الحمراء .. والتي تم كرمشتها اختصارا للحيز الذي تشغله..
عدد من أعقاب السجائر تسبح في الرماد المتخلف منها في "قعر" الكيس .. هذا الرماد الشبيه بالحالة التي وصلت إليها الخلايا الناضجة والسليمة لرئتي تلك الفتاة –المطبوع صورتها علي جانبي الكيس- بعد خمسة عشر عاماً من التدخين المفرط .. تلك الفتاة التي أصيب قبل وفاتها بثلاثة سنوات بمرض خطير في رئتيها .. وقبل وفاتها بفترة عادت من فرنسا بعد أن التقطت لها تلك الصورة التي أبهرت مندوب إعلانات مار بجوار محل التصوير الذي وضعها في واجهته .. عادت الفتاة إلي بيتها الصغير بجنوب إيطاليا .. عادت لتقضي مع حبيبها .. ليلة عيد الحب