السبت، ٢٩ مارس ٢٠٠٨

بقايا عيد الحب



كيس قمامة.. هو في الأساس لم يكن للقمامة .. ولكنها كانت "شنطة" بلاستيكية بيضاء أنيقة متراصة مع مثيلاتها علي رف أعلي من مستوي الذراع بقليل في محل ملابس متوسط الشهرة بأحد "مولات" القاهرة مطبوع عليها من الجانبين نفس الوجه لفتاة شقراء جميلة ومثيرة .. ماتت هذه الفتاة منذ ثلاثة أعوام بمرض خطير في رئتيها وهي لم تبلغ الخامسة والثلاثين بعد .. وقت التقاط الصورة لها كانت في زيارة لأمها بفرنسا .. حيث رفضت أمها ترك مارسيليا حيث التقت حبيبها الأول والوحيد المغامر الجزائري و والد الفتاة .. الفتاة المطبوع وجهها .. علي جانبي كيس القمامة..


بداخل الكيس عدة أشياء ..مثلاً.. زجاجات بيرة فارغة .. ولا يجب أن ننظر لتلك الزجاجات تلك النظرة الظالمة .. ففي الأصل كانت أوعية خضراء فارغة .. تضعها أمام عينك لتري كل ما خلفها أخضراً .. قاموا بملئها بهذا السائل وألصقوا علي صدرها تلك النجمة الخماسية كما وضعوها أعلي رأسها كتاج وأعطوها ذلك الاسم العجيب "كازوزة" .. الزجاج يُصنع من الرمل ..مثله مثل الذهب .. مثله مثل الطين الذي يصُنع منه القصور علي الشواطيء باستخدام المياة.. فتهزمها الأمواج ..أو القصور قبل الشواطيء بقليل باستخدام الملايين .. فلا يقدر علي هزيمتها شيء .. وأمام كل قصر حديقة صغيرة .. يلعب بها الأطفال الذين تغضب أمهاتهم كثيراً إن تجاوزوا سورها القصير إلي الخارج .. لأن ملابسهم سوف تتسخ بالرمال .. الرمال التي يُصنع منها القصور والذهب .. وزجاجات البيرة الفارغة ..


بداخل الكيس أيضاً علبة كارتونية حمراء .. تم "كرمشتها" اختصاراً للحيز الذي تشغله .. كانت العلبة تحوي "تورتة من الشيكولاتة " .. تم نقل التورتة من العلبة إلي الثلاجة في الليلة السابقة لعيد الحب بعد شراءها من عند ذلك الحلواني الذي يعمل عنده شاب قصير بشوش هو الذي قام ب"لف" الشريط الأصفر حول العلبة الحمراء.. قضت التورتة ليلتها بالثلاجة أملاً في أن تمر في الليلة التالية عبر شفاه عاشقة .. تلك الثلاجة نفسها قد تم تصليحها من أسبوع واحد وتعمل الآن بكفاءة عالية .. في أقل من ساعة قام بتصليحها ذلك الشاب "الألبينو" –عدو الشمس- ولم يتقاضى سوي خمسة عشر جنيهاً .. يملك ضميراً حياً هذا الشاب في زمن كادت تنقرض فيه الضمائر .. هكذا كان يخبره زميل مقعده في الكلية .. زميله القصير البشوش .. الذي يعمل الآن حلوانياً .. كان زميله لمدة أربع سنوات في كلية العلوم .. ولم يكن يعلم –و حتي الآن لا يعلم ولا أعتقد أنه سيعلم- أن تلك التورتة ستبيت ليلتها في الثلاجة التي أصلحها صديقه قبل أسبوع من الآن بعد أن نُقلت من العلبة الكارتونية الحمراء .. والتي تم كرمشتها اختصارا للحيز الذي تشغله..


عدد من أعقاب السجائر تسبح في الرماد المتخلف منها في "قعر" الكيس .. هذا الرماد الشبيه بالحالة التي وصلت إليها الخلايا الناضجة والسليمة لرئتي تلك الفتاة –المطبوع صورتها علي جانبي الكيس- بعد خمسة عشر عاماً من التدخين المفرط .. تلك الفتاة التي أصيب قبل وفاتها بثلاثة سنوات بمرض خطير في رئتيها .. وقبل وفاتها بفترة عادت من فرنسا بعد أن التقطت لها تلك الصورة التي أبهرت مندوب إعلانات مار بجوار محل التصوير الذي وضعها في واجهته .. عادت الفتاة إلي بيتها الصغير بجنوب إيطاليا .. عادت لتقضي مع حبيبها .. ليلة عيد الحب

الجمعة، ٢١ مارس ٢٠٠٨

بطاقة معايدة لثلاث أمهات لطفل كبير نسبياً



1-أم فعلية :


أمي العزيزة .. بالطبع لم ولن يعلم أحد سواي .. أن ما فعلتيه وتفعليه وستفعلينه معي لم ولن يفعله أحد غيرك .. وبرغم ما حدث وما سيحدث .. أحبك يا أمي .. لا أحبك لأنك أمي .. ولكني أحبك لأنكِ تستحقين فعل المحبة .. كل عام وأنتِ بخير .. يا أمي .......العزيزة ..


2-أم روحية :


أخجل وأنا أكتب لكِ وأنا مقصر معكِ أيما تقصير .. شبه متأكد أنا أن تلك الكلمات لن تصلك .. ولكني أكتبها .. أكتبها فحسب .. ومع أن الكتابة في حضرة من يسري الحرف في شرايينهم بديلاً عن الدم جريمة إلا أنك أوحشتيني كثيراً .. كم اشتقت لمجلسك الصوفي .. لجمالك الفرعوني وضحكتك الحقيقية .. إلي أمي التي أعلم أنها سترفض ذلك اللقب .. إلي الكاتبة العظيمة التي تعلمت منها أكثر مما يمكن أن أحصيه .. إلي كاتبتي الكبيرة عفاف السيد .. كل عام وأنتِ..أنتِ..


3-أم ..وأشياء أخري:


أمي....جوهرتي..سيدتي..ابنتي..صديقتي..بيتي..حبيبتي..حسنائي..
قطتي.. كنزي..تلميذتي..معبودتي..عشيقتي..أميرتي..سكني..
فراشتي..صاحبتي.. غزالتي..إمبراطورتي..موجتي..
صغيرتي..خليلتي..مُهرتي..ريحانتي..ولعي.. ملكتي..
رفيقتي..سيجارتي..لؤلؤتي..محررتي..معلمتي..
محظيتي..ملهمتي.. ثورتي..جميلتي..افتقادي..حنونتي
..وطني..فرعونتي..عصفورتي..جاريتي.. مولاتي..
أختي..ملاكي..وردتي..دوائي..باعثتي..أنثاي..ريشتي
..كروانتي.. بلسمي..شهدي..ضيائي..دافئتي..وسادتي..
نعناعتي..نسيمي..بسبوستي..أغنيتي. غاليتي..شقيتي..
نبيتي..فرحتي..طفلتي..سلطانتي..مدللتي..نجمتي..
آسرتي.. عظيمتي..فاتنتي..فواحتي..تفاحتي..شمسي..سمكتي..
حوريتي..جنّيتي..حوائي..
سيمفونيتي..ساحرتي..مجنونتي..حلوتي..

يا أمسي ويومي وغدي.. يا ماء عطشي ..يا مبعث زهوي..
يا ممحاة همومي ..يا سر أسراري ..يا مفتاح أحلامي..
يا منتهي آمالي.. يا راية هدايتي ..يا طوق نجاتي ..
يا نور عيني ..يا روح جسدي ..يا نبض قلبي..

يا لون عمري.. يا معني حياتي ..يا طعم نجاحي ..


زوجتي القادمة..
حلالي..
أم أولادي المستقبليين..


أحصيت من أسمائك تسعة وتسعين اسماً ..
فدخلت –علي يديكِ-الجنة ..


حبيبتي
كل لحظة في حبك عيد..........كل لحظة وأنتِ بخير ..
أدعو الله أن يبقيكِ لي و يحفظكِ من كل سوء ..
دعيني أقولها-لكِ- علي طريقتي :
"ربنا يخليكي ليا وميحرمنيش منك أبداً"..

السبت، ١٥ مارس ٢٠٠٨

حيوانات



أول شروط العلاج ..
الرغبة القوية والأكيدة ..
في الشفاء


قطتي المنزلية الأليفة .. لم يكن يصح أبداً أن تغادري فراشك الوثير لتهبطي لغابتنا دون أن تعلمي عنها شيئاً .. فلن تجدي أبداً من يضع أمامك طبق الحليب .. ولن تجدي من يمسح بيديه الهادئتين علي فرائك الناعم وأنتِ مستلقية علي فخذيه المرهقين وهو يهتز للأمام وللخلف علي كرسيه الهزاز .. يمسح التعب من مفاصلك وتدخلين الهدوء والسكينة لقلبه .. يركز بصره علي نار المدفأة بينما تتبادلان إرسال واستقبال الطاقة الايجابية حتي يذهب كلاكما في نوم عميق ..بالطبع تصدقيني الآن أن ذلك لا يحدث .. صدقيني فأنا ابن شرعي لتلك الغابة الموحشة .. أنا كلبك الوفي الذي لن يكذب عليكِ أبداً .. لم يكن من المفروض أن تنخدعي بمنظر الطيور المحلقة حول قمم الجبال و الغزالات السارحات في أمان وإناث الدببة المرضعات لصغارها .. قد تكون تلك صورتك الوردية عن الغابة والتي عرفتِها من برامج التلفاز الذي تشاهديه مع الصغار بعد أن يحمموكِ بماء دافيء ويجففوا الماء من عليكِ بالمجفف الكهربي .. تلك ليست الحقيقة كاملة قطتي .. لا تديري رأسكِ انزعاجاً من لساني المتدلي خارج فمي فلو لم أفعل ذلك للقيت حتفي من فرط حرارة الجو .. اطمئني لن يمتد لكِ طرفي بسوء فأنا لست مثلهم .. أنا من جئت أنقذك من أنيابهم قطتي الأليفة .. فقط اخبريني عن عنوانك القديم لأعيدك لمن يحبك بصدق .. نعم أنتِ محقة .. قد لا يقبلونك عندهم بعدما أصبح شكلك بهذا السوء وقد تقطّع فرائك وبُتر ذيلك الذي كنتِ ترفعينه خلفك في زهو .. ماذا قلتي ؟؟ هل أصدق أذني ؟؟ تريدين القدوم معي ..؟؟ أكبر أمنياتي كانت ألا ترفضي طلبي ذلك الذي كنت أخجل من أطلبه منكِ .. تطلبينه أنتِ .. هذا أكثر بكثير مما كنت أتمني .. تعالي معي إذن لكهفي الصغير .. سأنام طوال الليل –بنصف عين-علي بابه من الخارج .. وطوال النهار سأغلق عليكِ الباب بالأحجار القوية –لتأمينك وليس لحبسك قطتي المنزلية الأليفة غير العالمة بقواعد حياة الغابة-و أخرج لأبحث لك عن الطعام حتي تصبحين في أفضل حال.. وحينها سنقوم بجولاتنا سوياً .. وتختارين أنتِ البقاء ..أو الرحيل ..


رأينا الطريق ..
فلماذا لا نسير فيه ..؟؟


قطتي المنزلية الأليفة .. نعم سأظل أناديكِ بقطتي المنزلية الأليفة .. فلو رأيتِ نفسك بأعيني لأصابك الغرور الكاسح .. نصحتك من قبل .. ولكنك لم تستمعين .. أصررتِ علي خوض التجربة .. تشدقتِ بشعار الحرية .. من قال لك أن الرفض وحده هو ما يعني أن لنا إرادة .. فرفض الطيب من الأمور حمق وتهور .. وعدم تمييز الصالح من الطالح عماء .. وسأفترض أنكِ كنتِ كذلك .. هل كنتِ أيضاً صماء حين أخبرتكِ ألا تخافين الأسد مثلما تخافين الثعبان ..؟؟ .. الأسد صريح قطتي .. يزأر .. يظهر أنيابه .. يلهو بمخالبه .. يستظهر بعضلاته .. ليس له غرض مخفي .. يبوح بكل شيء .." أريد أن ألتهمك" ها هي رسالته الواضحة .. ولا يفعلها إلا إذا كان يتضور جوعاً .. أما الثعبان .. يا الله .. يالسعادتي .. ها هي الدماء قد بدأت تدب في عروقك من جديد .. وبدأت أطرافك في الحركة .. إهدأي ولا تخافي ..أعدك بأنك ستعودين أجمل مما كنتِ .. ها هو ذيلي يهتز –لا إرادياً- من السرور .. لا تتعجبي سعادتي قطتي .. فخالقنا وحده يعلم كم أهتم لأمرك ..هيا .. اعتلي ظهري.. فالكهف ليس ببعيد .. لمن يريد ..!!


اللوم علينا وحدنا
إن اتبعنا الشيطان
بعدما ظهرت لنا قرونه


قطتي المنزلية الأليفة ..دعينى أكمل لكِ .. الثعبان لا صوت له .. يسير مستقيماً ومتعرجاً.. لا صوت .. يصعد ويهبط ..لا صوت .. ناعم .. أملس ..عندما تغمضين عيناكِ قد يأتي بجوارك .. يبدأ في المرور علي جسدك فتتوهمين بأن ذلك الملمس هو لكف حكيم .... متسامح ... محب ... رحيم ... عطوف .. !! أو تعلمين قد ينقذ الثعبان حياتك .. نعم قد يفعلها بل قد يفعل معك ما هو أعظم ليخدم أغراضه الداخلية التي لا تهدف سوي لتعزيز بقاؤه مهما أزهق من أرواح أو ترك أجساداً ممزقة أو أرواحاً مُعذبة .. انظري لما يفعله أحد الثعابنة مع بني الإنسان لتعلمين كم هو خسيس ذلك المخلوق .. انه الثعبان الأسمر .. في البيئة الصحراوية التي تزخر بالزواحف تعيش الحرباء الفضية .. وهي كالأسد .. واضحة الغرض .. ما أن تجد طعاماً قد غفل عنه صاحبه .. تسرع إليه .. تنفث سمها الشفاف عديم الرائحة والمذاق وتختفي في أحد الشقوق .. يراها صاحبنا الأسمر .. فينقذ بشهامة منقطة النظير أهل ذلك المنزل .. يضع أي شيء علي الطعام مما يجعله منفراً .. جثة حيوان نافق .. فضلات بشرية أو حيوانية .. بعض الطين .. يأتي أهل البيت .. يتخلصون من الطعام .. لينقض عليهم صاحبنا الأسمر واحداً واحداً .. يغرس أنيابه التي لا يُظهرها إلا عند الهجوم في عمق شرايين الرقبة .. ويمتص الدم .. ليحيا ..
ليس سهلاً أن نشعر بالأمان ..
فإن حدث يجب أن نتشبث بتلابيبه ..
حتي النهاية ..
من يدري ..
ربما لو ذهب .. لن يأتي ثانية ..أبداً..!!

قطتي المنزلية الأليفة .. ها قد وصلنا لكهفي الصغير .. لا تخافي .. لن أتركك أبداً .. ماذا ؟؟ لا .. لم يحدث ذلك .. لم يتركك القط الأسود ذو العيون الخضراء .. ولم يتركك القط الرمادي ذو الفراء الناعم .. بل وجدت هياكلهما العظمية خارج جحر الثعبان الأسمر .. وإن كان ذلك قد حدث .. قد تحمل القطط بعض غدر .. أما أنا فلا .. أنا كلبك الوفي .. استلقي علي ذلك الفراش الذي صنعته لكِ من أوراق الشجر .. و هاهو الطعام .. أما أنا فلن يغمض لي جفن .. سأقف بالخارج .. أسترق السمع .. أنتظر فحيح .. الثعبان الأسمر ......