الخميس، ٢٦ يونيو ٢٠٠٨

لحظات الألم والندم والسعادة..ليست مجرد لحظات.


عمر الكون بأكمله عبارة عن مجموعة من اللحظات المتراصة .. لا لحظة تشبه الأخرى حتى في أكثرها مللاً ..

أجلس في شرفة المنزل مع سيجارة صباحية حالماً بفنجان من القهوة ولكني أتكاسل عن القيام لصنعه .. أرتدي ثوب الفيلسوف وأمارس هوايتي المستديمة في التأمل .. أحاول استخلاص بعض اللحظات من محيط لحظات عمري متلاطم الأمواج فتهاجمني لحظات الألم والندم والسعادة ببريق مميز .. ألم أمي النائمة بالداخل لا تستطيع حراكاً عندما كنت
أحمل الكرسي المتحرك الذي يحملها صاعداً بها ..بينما يساعدني أخي وحارس العقار الذي نقطنه من الجهة الأخري .. أتذكر صوتها الواهن الذي يخرج بصعوبة من بين ستائر دمعاتها الساخنة " متشيلش انت يا حبيبي عشان ضهرك ميتعبكش .. انت بقالك يومين واقف ف المستشفي "..أتجاهل ندائها وأستمر في حملها وأبعث لها نظرة حانية محاولاً تخفيف خوفها عليّ وأؤكد لها أني لن أتركها وسأظل بجانبها .. ليست المسألة أمومة وبنوة ولكن كيف يمكنني ألا أفرش جسدي بساطاً تحت أقدام من يفكر في تعبي بينما الألم الفتّاك الذي فشل المورفين في تهدئته يضرب دواخله .. بمنتهي العنف ..!!


الجبال المميزة للبحر الأحمر تطل من قريب وتدرج لوني خلاّب يعلوها متدرجاً لتدهن الزرقة الصافية سقف المشهد .. حفيف أجنحة الغربان وصوتها المميز خلفية موسيقية حالمة تعيدني للحظة ندم هذه المرة .. صرح شامخ يقف مطلاً
علي نيل القاهرة تُزين بوابته الأمامية أعلام كثيرة لدول مختلفة ..يحمل علي صدره كلمتي "وزارة الخارجية " .. يفصل المبنى عن النهر طريق للسيارات ورصيف تحتله مقاعد خشبية يشغلها في تلك الساعة المبكرة إما بعض العجائز أو الأجانب المستريحين قليلاً لاستئناف رياضتهم الصباحية .. ركضاً .. إلا مقعد واحد .. الذي يعطي ظهره للوزارة مباشرة .. أشغله أنا وحبيبتي .. كان الحديث شيقاً فعلا .. خرج من دائرة الثرثرة واستقر في قلب البوح .. أطرقت قليلاً .. ثم نطقت بمنتهى البساطة ما زلزل كياني وأنعش روحي وداعبها .. " كان نفسي تبقى أول واحد ف حياتي .. بجد.. ياريتني ماعرفتش حد قبلك " .. أه يا رفيقة دربي لو تعلمين كم أعتز بتلك الشهادة .. اقتربت منها قليلاً بنشوة جارفة أصابتني في تلك اللحظة البديعة " انت اتجننت ؟؟..انت مش عارف احنا فين ؟؟"
عذراً وزارة الخارجية .. يجب أن أختم الشهادة ..


ومن علي وجنتها الطفولية الصافية.. خطفت قبلة ..


بدأت آشعة الشمس ترخي سدولها علي سفوح الجبال فتُظهر تضاريسها بوضوح .. بدأت في رشف القهوة مع مراقبة الشمس وهي تغزو بأصفرها بقعة فبقعة من المنازل و المباني والطرق والأرصفة .. أفكر في مساء الأمس وكيف كانت حالتي النفسية شديدة السوء .. ولأني أعلم قوة الضغوط التي تعرضت لها مؤخراً وكيف يمكنها أن تبطش باتزاني الذي أحاول جاهداً الحفاظ عليه-ليس من أجلي- فقررت البحث عن سعادة حقيقية تخرجني من تلك الحالة وبأقصي سرعة
ممكنة .. لن تجدي المُسكنات .. لابد من علاج شديد الفعالية .. بحثت ونقبّت لكني لم أجد إلا سعادة حقيقية واحدة .. أن تكون حبيبتي بين ذراعيّ .. استرجعت كل الأحاسيس التي من الممكن أن تزحزح حالتي المزاجية خطوة نحو الأفضل فلم أجد إلا ذلك الشعور ,.أغمضت عيني وسافرت لملكتي النائمة في مخدعها .. وبهدوء شديد-لألا أوقظها – مدّدت جسدي بجوارها .. وبهدوء أشد احتويتها بين ذراعيّ .. شعرت بحرارة جسدها تجذبني تجاهها .. سكتت أذناها عن سماع ما كان يدور بحلمها .. ابتسمت عيناها ونظرت شفتاها تجاهي .. تشبثت بي واختبأت بصدري في حنان هاديء..
سمعت آذان الفجر ..تيقنت من تحسُن حالتي ..اتجهت إلي الله .. حمدته وشكرته عليها ..دعوت كثيراً لها ولنا .. ودخلت إلي الشرفة أتأمل في بديع صنعه وأحاول أن أكتب أن..


لحظات الألم والندم والسعادة.. ليست مجرد لحظات ....