الخميس، ٢٧ ديسمبر ٢٠٠٧

الفرصة الأخيرة للكيوبيد الرابع




"في البدء كانا..."
صوت رجولي جذاب لمخرج ومؤلف وبطل العرض ينبعث في أرجاء المسرح :
الرجاء إغلاق الهواتف المحمولة..
وعدم التفكير بأي شيء..أو الإنشغال بأي شاغل..
الرجاء الإنفصال الكامل عن صندوق القمامة المُسمي عبثاً بالواقع ..

أهلا بكم في عالمي الخاص....

فيسود الهدوء التام ..وتتعلق الأعين بالستار الأحمر القاني وهو يرتفع لأعلي .. رويداً....رويداً....

"أن يهمس شارع لمار غريب"
تظهر خشبة المسرح بيضاوية ..تتألق بوهج أبيض مشرب ب"الروز" مع انبعاث موسيقي بيانو الكونشرتو العشرين ل"موتسارت" في الخلفية ..المدقق يلاحظ الأدخنة الرقيقة المنبعثة من حواف الأرضية امعاناً في دفء متحقق سلفاً..
أقصي اليسار تسعة كراسي سوداء ..تجلس علي كل منهم أنثي عارية تضم ساقيها وترفع قدميها علي حافته واضعة رأسها علي ركبتيها فلا يظهر أثر من عورتها ..التسعة لهن نفس الشكل تماماً كتسعة توائم متماثلة ..
أقصي اليمين تسعة كراسي بيضاء..يجلس علي كل منها رجل وسيم .. يتفقوا جميعاً في سُمرة البشرة مع اختلاف درجات الوسامة ..كلهم مفتولي العضلات بشكل واضح من تحت بذلاتهم البيضاء الأنيقة ..كل منهم يرتدي رابطة عنق بلون مختلف ولكنهم اتفقوا في أن يكون لها نفس البريق الخادع..
بالأعلى ..في الأركان الأربعة ..أربعة تماثيل ل"كيوبيد" ..تماثيل شمعية تكاد تنطق بالحياة ..موجهين بأسهمهم ناحية منتصف المسرح تماماً ..حيث يقف البطل والبطلة...
وجهها كان مطابقاً للفتيات التسعة ..تتألق في فستان أبيض مطرز بعناية .. طويلاً ..عاري الظهر والذراعين ..تهبط حدوده من الكتفين كمثلث متساوي الساقين لتُظهر مفرق الصدر ..تتبعثر في أرجاؤه زنبقات أندلسية سائحة بتناسق في تكوينه لا هي بالزرقاء ولا بالسوداء..في خنصرها الأيمن ترقد ماسة ..وكانت قدماها الصغيرتان شديدتا النعومة حافيتين ..علي السطح الدافيء...
لم يكن ناظراً إليها ..كانت واقفة و وجهها للجمهور وكان بجانبها ببذلته ورابطة عنقه وحذاؤه كاملي السواد ..وظهره لهم ..وما أن استدار ..حتي تفجّر بركان التصفيق ..من قبل أن يبدأ العرض...


"ذئاب تعوي وقافلة ت......."
وضع يد علي خصر واحتضن أنامل دقيقة بأصابع قوية حانية وما أن مسته حتي أصابتها رعشة نفضتها بالكامل ..فشجعتها عيناه الواثقتان وابتسامته الهادئة وقال:تذكري دوماً..هو ليس مجرد درس في الرقص..
وأخذها في لين إله...
واحد ..اثنان..ثلاثة..أربعة..
تحركت معه كلؤلؤة في صدفتها..كراقصة ماهرة مع أنها مرتها الأولي !!
لم تتحرك الفتيات التسعة مطلقاً..ولم ترمشن..كأصنام ..
أما الرجال ..فقد بدا عليهم التململ ..
والجماهير مأخوذة بالحالة تماماً ..كقوم"صالح" يتابعون نزول الناقة..من السماء..
الرقصة هادئة ..منسابة كشلال كسول ..وكلماته التي من المفروض أن يصّبها في أذنها فقط يسمعها كل المشاهدين عن طريق سماعات تم توزيعها بمهارة لكي يشعر الجميع بنبرات الصوت..ارتعاشاته..وطبقاته المتموجة ..والرسائل بين كل حرفين،
"أبداً لا تتكومي بخزانة"لو" و احصي الحقائق الحقائق في وجودك .. أيامك كنزك ..وأنتِ كنز من تختارين..فلا تدعي دفة التحريك لغيرك بعد اليوم..كوني أنتِ...يا صديقتي" وكان وجهه حينها ينطق بشباب يانع و ما يصدر عن لسانه يوحي بخبرة معرفية ليست بالقليلة..

"هل نستطيع الإختيار؟؟"
هبت ريح رقيقة..حركت موجات شعرها المنسدل يتلوى كجارية تراود سيدها.. ابتعدت عيناها عنه للحظة..اتسعت وهي تشاهد أول الإناث التسعة تتفتح كوردة ..كان جسدها جميلاً ولكن الثدي الأيسر لم يكن موجوداً ..رُشقت بموضعه زهره حمراء..وهناك خط دماء قصير جاف يبدأ من نقطة رشق الوردة..رفعت الفتاة يديها لأعلي..بدأ جسدها في الارتقاء تدريجياً وكأنها تُسحب ..هي كانت مستمرة بالرقص كأنه تنفسها ولكنها لم تستطع إبعاد ناظريها عن الفتاة ..قبل أن ينتهي تلامسها بالكرسي الأسود نهائياً خرجت الوردة من مكانها نهائياً ..انطلقت كرصاصة لتستقر في منتصف جبهة أول الذكور..فيتلاشيا سوياً..ينطلقا كدخان إلي الأعلي..تنبعث رائحة مسك..ترتسم علي شفتي الكيوبيد الأول ابتسامة ..تنظر إليه مستفهمة ومترجية "أرجوك..أكمل كلماتك..علني أفهم" ..ازداد اتساع ابتسامته ..و أزاح يده من علي خصرها ..ورفع الأخري محتضناً كفها الرقيق..فاستدارت ثم عادت لموضعها دون أن يطلب منها ..ليتلقاها علي ذراعه ..فيتكرر السيناريو مع البنت الثانية والرجل الثاني والثالثة والثالث وينطلق كيوبيد الأول من فوق ظهر بطلنا مباشرة مخطئاً هدفه وينضم للمتبخرون ..يعبق المكان برائحة ياسمين ..
تشعر أنها أقوي وأن دماؤها تسير بعروقها بتدفق أجمل ..ويواصلا الرقص..

"نحن أقل من أن نعرف أنفسنا..دعينا نحاول"
" جسدك جوهرة غالية..وقلبك جوهرة أغلي..فلا تمنحي أحدهما أو كلاهما إلا لمن له القدرة علي تثمين الجواهر ..إلا لمن يملك قلباً أدماه الحزن ..ولم تزده الأيام إلا مرارة فأيقن أن" ملعون ملعون ملعون من لا يقدّر حزن الإنسان"في زمن انتشرت فيه القلوب الجرانيتية المغرَضة..أو القلوب الأسمنتية المجردة من نقطة دم واحدة ..يا صغيرتي" وفي هذا الوقت كان الشيب قد بدأ يغزو فوديه وقد أضحت ملامحه أكثر نضجاً كقس بشوش..
"هل تعرفين الفرق بين من يحبك ،من يريدك ،من يهوي امتلاكك كتحفة..؟؟
و من يرغب في تواجدك وقتما يريد و كيفما يشاء لإكمال نقص لديه ..لكي يستطيع الانطلاق بحرية في مساحات أرحب مرتوياً بما يحصل عليه منكِ ومن غيرك ..يشبعك بتفاصيله ويتركك بعده تقاسين الذكريات؟؟ " .. أتحسبين كميات العطر التي تهبينه إياها ؟؟ أتعتقدين أنه يوم ذبولك ستمتد له يدك بقطرة ماء ؟؟" .. وكلما كانت تشرد أو تنظر للمعجزات الحادثة حولها يعيدها إليه بجملة واحدة كساحر:"خليكي معايا" ..

"الانسلاخ من رحم ما"
في مرآة عينيه الواسعتين..بدأت تلاحظ أنها أكثر جمالاً..هي تتغير .. تتحول ربما.. أخذها التفكير في كلماته ..من هذا؟؟ ..وما الذي أتي بها هنا؟؟ وكيف تستسلم له هكذا؟؟ تشعر أنها تعرفه منذ زمن ..أهو أخ لها لم يخبره عنها أبواها ..أم أنه كان حبيب لروحها في زمن سابق قبل أن تسافر هذه الروح المُعذبة عبر محطات الأجساد لتستقر عندها ؟؟ عندما شردت تعثرت خطواتها .. داست علي قدمه..كادت تقع ..ارتفعت شهقات الجماهير ..لم تتحرك الفتيات.. وانشغل الذكور الستة المتبقين حول منضدة للقمار..انقذها قبل وقوعها..احتضنها .. أمسك يدها في يده ..أحست بدفئه..موجات كهربية تنتقل بنعومة منه إليها.. وقفا و ظهرهما للفتيات وأشار للرجال صائحاً:" أنظري ..أكثر الأماكن ظلمة في الجحيم يذهب إليها الباقون علي حيادهم في أوقات الأزمات الفاصلة... يا بنيتي" وكان وجهه وقتها قد بدأ في اتخاذ هيئة شيخ حكيم..صنعت تجاعيده خبرات السنون المتراكمة..ولكن العجيب أنه يزداد جاذبية و وسامة ..
ارتقت الفتاة الرابعة والخامسة والسادسة ..مطلقات الرصاصات الزهرية الحمراء الثلاثة في جبهات الذكور المقابلين .. ليتبخر السبعة متضمنين كيوبيد الثاني الذي أخطأ هدفه.. لأنها تحركت معه ليبدءا الطريق من بدايته..

قال:تذكري دوماً..هو ليس مجرد درس في الرقص..
وأخذها في لين إله..
واحد ..اثنان..ثلاثة..أربعة...


"نهاية أو بداية لا فرق"

تشحب الفتيات الثلاثة الباقيات ويميل لونهم للزرقة كموشكات علي احتضار.. أما الرجال فتطول أظافرهم..تهيش شعورهم..تنبت لحاهم ..وتظهر بوجههم آثار لمعارك قديمة ..تتسخ بذلاتهم وتتعدي أنيابهم العليا حدود شفاهم السفلي..
تدريجياً ..يخفت بيانو"موتسارت" وتعلو الموسيقي المصاحبة لأوبريت "صغيرة علي الحب" ثم ينطلق صوت"سعاد حسني..فتحرك هي شفتيها وتشير بإصبعها الرفيع ناحية الوحوش-الرجال الثلاثة-:هما إيه اللي خلاهم كده؟
يهدأ الصوت ليرد هو بصوته الواثق: ما هما أصلاً كده!!
" قد يوفر لكِ رجل ما استقراراً زائفاً بخارجه تخنقك أشباح الاكتئاب .. ولكن.. لا سعادة لإمرأة تعادل سعادتها في أن تكون معشوقة من رجل تعشقه ..فكل نجاحاتها تأتي في المراتب التالية ..فمن جعلت المال أو العمل أو الشهرة أو الدراسة هدفها الأسمى ونبراسها المرجو ..قد تسعد.. ولكنها تميت جوهرها.. تسحق فرصتها في الوصول إلي ما لن تصل إليه إلا به..و مع كامل احترامي للهرطقات المتكررة -بلا وعي أو فهم- عن الطبيعة والغريزة والأمومة ..هل تعادل لذة العشق ودفء الحنان و وهج الشوق و انتعاشة العناق و تنهيدة الأمان أن تتحول الأنثي لمفرخة أطفال مجيئهم لهذا العالم القذر هو خطيئة بأي صورة من الصور؟؟؟"
كلما شحبت الفتيات ..ازداد بهاؤها وجمالها ..وابتعد شكلها عنهن .. واقترب من المادة الخام للجمال..من القالب الذي خُلقت هذه الكلمة خصيصاً لأجله.. فعيناها أصبحت أجمل من عيني "نفرتيتي" .. وشفتاها أصبحت تنادي بالتقبيل مناداة لا يصلح معها الرفض مطلقاً ..
هو أصبح خليطاً هادئاً من زلزال وإعصار مياه .. تهمس البقعة للبقعة قد مرّت خطاه.. أضحت ملامحه موسيقي ..وترتيل صلاة..
و أخذها في لين إله...
واحد...إث..........
صوت لممثل مندس بين الجماهير يقاطعه ويناديها:" يا..........."
تنظر..
بسبابته يُدير وجهها إليه : " أبدأ لا تنظري ..إلا داخلك!!"
تقطب حاجبيها الجميلان علي عينيها اللتين لم-ولن تُخلق مثلهما وتبدأ فى الحيرة..تقول له بصوتها الحنون :"الطريق صعب"..
يحتويها بعينيه وابتسامته ..ثم يحتويها بذراعيه..يضمها إلي صدره العريض .. تتمايل معه علي أصوات عصافير خفيضة فيسكب عصارته في أذنها التي أضحت في مجال إطلاق شفتيه ..والجماهير تسمع الهمس وكأنه موجه إليهم وإليهن كل علي انفراد:" هكذا هو الطريق..صعب..ومليء بالاختبارات.. ومع كل اختبار اختيار.. إما العودة للوراء وهو موت ..وإما التقدم رغم النزيف..و هو موت أيضاً ولكنه ذلك الموت الذي يفتح أبواباً لحيوات أخري"
احتضنته بشده وكأنها تريد أن تموت هكذا ..مسّد شعرها بحنان..كان ماضيها كله ينشع كدماء تغطي أرضية المسرح ..نبتت جزيرة في المنتصف ..حملها وارتفع من علي الأرض بضعة سنتيمترات لأعلي ..طارا إليها..
"كفيلم رديء ..ماضيكِ..لا تشغلي بالك بنسيانه..دعي قطار الأيام يدهسه.. فيمحو ما يمحو ويشوش ما يشوش و يبهت ما يبهت ..وما سيبقي .. دعيه كإشارات حمراء تجنباً للوقوع..في نفس الفخاخ..يا أميرتي"...
كانت تشعر بمزيج من أحاسيس غرائبية ..تود أن تبكي وتضحك ..أن تتركه وأن تبقي معه.. أن تطير وأن تنام.. الهاجس الذي كان يلح عليها هو أنه مرسل لها من السماء .. في وقت محدد ...وبدقة..
" أن تعرفي نفسك هي بداية الطريق وليس نهايته.. أن ترفضي هو بداية القرار وليس تنفيذه ..أن ترفضي من اشتهيته لزمن عندما يأتيكِ راكعاً ..هنا ..وهنا فقط ..اعلمي أنكِ اتخذتى الخطوة الأولي ..وحينها يمكنني أن أفلت يداً من يداي .. و تختاري أنتِ ..أن تفلتي الأخري ..أو تعيدي إمساك الأولي ..أنتِ ..أنتِ فقط من سيختار ..وحينها فقط سيكون اختيارك صحيحاً "
ارتقت الفتيات الثلاثة المتبقيات..و وجهن قذائفهن هذه المرة إلي أعناق الوحوش-الرجال- ..
تسارعت رقصتهما ..كانت في قمة السعادة ..ولمن لا يعرف قد تبدو هي من تعلمه الرقص ..أخطئهما كيوبيد الثالث لحركتهما المرنة الرشيقة ..تبخر وصعد مع الصاعدين .. وبقي كيوبيد رابع معلق بين السماء والأرض..
هبط التغريد الكرواني ل"سعاد حسني": "بحر الهوا غدّار والخطوة فيه فدّان..
نزلوه ف ساعة شوق قبل الأوان بأوان ..ما تقولي ياصياد إيه الحكاية إيه؟؟
البحر غدّار ليه؟
الستار يهبط..
ليه؟
يهبط..
ليه.....؟"
""ستار""

"أهناك طريق بلا رفيق؟؟..ربما"
أفواه المشاهدين مفتوحة علي اتساعها..حواسهم مخدرة ..لا يستطيعون تصفيقاً..
خلف الستار..تباطئت سرعة الرقصة ..اتسعت ابتسامتها ..بدأت دمعاتها في الهطول رغماً عنها .. تثق أن مثله لا يصلح إلا لأن يكون فكرة لمدينة فاضلة ..
حلم جميل بعد ليلة تشبع وارتواء ..
بدأ يفقد اتزانه..مد إبهامه الأيمن.. مسح دمعاتها..وبإبتسامته الهادئة غسل روحها ..بدأ يتهاوي من بين أيديها ..لم يستطع التماسك..ترنح.. حاولت الامساك به ..ذهب مجهودها سُدي..
ببطء شديد..سقط..
سقط كريح عاتية تفزع لذكرها الأشجار ..
سقط كنسمة عابرة تداعب-برفق-الأزهار..
هوت فوقه ودمعاتها تبلل شفتيه المبتسمتين..كان نحيبها كافياً لذبح أي قلب..
أمسكت كفه..قبلتّها..ومسحت بها دمعاتها من علي وجنتيها..
قالت له:"سأحقق رغبتك..لن أخذلك....أبدأ"
ثم قبلت إبهامه الذي مسح دمعاتها منذ قليل..
قامت ..ارتدت معطفاً أسود به غطاء للرأس فبدت كراهبة..
وعلي باب المسرح لم تستطع أن تكتم صرختها المكلومة..فأطلقتها للسماء.. ولكنها لم تكن مسموعة لأن أصوات التصفيق المختلطة بهياج الجماهير وصفيرهم وصراخهم وبكاؤهم غطت علي جميع الأصوات..حتي اليوم التالي..

السبت، ٨ ديسمبر ٢٠٠٧

حفل تأبين علي شرف التدوينة رقم خمسين



فقرة أولى..
"فن سريالي":


عن تجربة .. من رابع المستحيلات أن أجد أحداً بجانبي عندما أكون محتاجاً لأحد ... وأسخر من نفسي الآن أنني كنت معتنقاً لمبدأ "المعاملة بالمثل" في فترة سابقة..
هل تكرهيني لذلك الحد؟!.. لذلك الحد كي تعطيني تلك الصورة التي يعذبني كل ملمح بها؟!.. وضعتها أمامي كي تؤنس وحدتي ولكنها فعلت العكس.. جلدتني بكل خصلة من شعر الرأس والحاجبين والرموش كأسواط مغمورة سلفاً في زيت مغلي .. وذلك الأنف.. ذلك الأنف عبقري الخلق رومانسي التكوين يخترقني كرمح مسموم الطرف بسم زعاف.. كم أود أن أطفأ سيجارتي في تلك العينين العسليتين لتكفا عن إلقاء السحر الأسود حولي.. والشفاه.. عذابي الأكبر.. الشفتان المطبقتان كبوابة كنز.. لا أفهم ذلك النداء بهما.. أهو نداء استجابة.. أم تعويذة رفض؟! يبدو أن الكوابيس ستهاجمني اليوم قبل أن أنام .. ستهاجمني كأحلام يقظة.. ما هذا؟؟ يبدو أنه أكبر كابوس سيمر علي.. أغمض عيني وأفتحهما ولا فائدة.. اختلط الحلم بالواقع .. كابوس من حرفين يبث في أوصالي الرعب .. أحلم أنني .. أنني .. أنني حي..


فقرة ثانية..
"عن العشق والعشق والعشق والهوى":


منذ بدأ وعيي في التشكل تكتنفني وحدة وغربة سواء كنت وحدي أو كنت ملقي بين البشر ..وتزداد بضراوة في التجمعات.. وكلما زاد العدد زادت قوة الشعور وطغيانه ولا ينتفي عني هذا الشعور أو ينحسر عن كاهلي إلا عندما أكون بين أحضانِك .. أستشعر نعومة جلدكِ بجسدي وأمتص الدفء المتوهج من بين ذراعيكِ الأملسين ليمنحني الطمأنينة.. لم أشعر في حياتي بشعور الرضا قدر ما شعرت به ورأسي تتوسد نهدك الأيسر الناعم البض الجميل.. وأذني تتلمس دقات قلبك وتشعر بها ككلمات غزل جادت بها قريحة شاعر جاهلي مخضرم .. ومع علمي أن تلك الدقات وزيادتها رد فعل فسيولوجي طبيعي بحت تنظمه الهرمونات إلا أنني أميل بطبعي إلي التفسير الرومانتيكي للأحداث وأكره الهرمونات لأنها حقيقية ومتحكمة أكثر من اللازم.. حبيبتي أرجوكِ لا تعتبري ما أكتبه إباحية.. ولكن رأسي ستصيبها الجلطة الدماغية من فرط التفكير فيكِ والانشغال بكِ وكأنكِ وقودها المسير أو هوائها المتنفس الذي حُرمت منه .. وتعلمين بالطبع أنه إذا ازدادت علي الجسد الهموم والمشاغل والنوائب والمسئوليات وظل صاحبه يتكتم ويتحمل فإن هذا الجسد يخزن ذلك الهم ويخرجه في صورة ورم سرطاني . وأنا لا أستطع إلا أن أعتبر عشقك همي الوحيد .. والكتابة سرطاني...


فقرة ثالثة..
"انتقام البلياتشو":


سأظل هكذا ..أراقبهم ليس أكثر..أراهم يغترفون من المتع والملاهي بلا حساب.. وأكتبهم مدعياً حكمة لا أملكها ..يفرغون سمومهم خلالي ..تتفتح مسامهم .. تنشط قواهم ..ثم شهيييييييييييييييق.....زفيييييييييييييييير..
سأظل هكذا ..أكتم رغباتي وأشوه أهوائي وأتسربل بأردية ليست لي وأراهم ككائنات شديدة التشويه –ليس للدرجة التي وصلت إليها بالطبع-يتقافزون من حولي ..يزعجني ضجيجهم..يضغط علي أعصابي ... شديد الوثوق أنا من انعدام مرونتي ..لكني لا أعلم هل هو التحجر أم الهشاشة ؟؟ ..تلك الابتسامة اللعينة التي أرسمها مجاملاً متي سأتخلص منها؟؟ تُري..من هو سيء الحظ الذي سيحدث انفجاري القادم بوجهه البريء ؟؟ هل ستكون أنثي فأشوهها مقطعاً ثدييها اللذين تتباهي بامتلاكها إياهما ؟؟ أم سيكون ذكراً مدعياً لرجولة زائفة فأشوي خصيتيه في حمم من عشقي الملتهب ثم أقطّع قضيبه كشرائح عرضية وأضعها كطبق شهي مقدم في طبق فاخر من جمجمته عوضاً عن مخه الذي سأنتزعه انتزاعاً وأطعمه للفئران القذرة؟؟
سئمت الأقنعة..كل الأقنعة..
مهما ادعّت براءة الهدف والمنتوي....


فقرة رابعة..
"لاعب الاوكروبات الكسيح":


"وحشتيني"
لا أعرف إلا أن أقولها هكذا..لا أحب أن أضيف "ألفاً" في أولها التزاماً بقيد اللغة -فلا قيود تعنيني علي الإطلاق-تلك اللغة الجاهلة العاجزة عن توصيل ما أريد قوله..كل اللغات عاجزة..كل الطرق عاجزة ..الهاتف عاجز..الانترنت عاجز .. المشافهة عاجزة..والأعين تامة العجز..
"وحشتيني"
أريد توصيلها كما أحسها ..ولكن هيهات..أخبريني عن طريقة جديدة فلقد سئمت كل الكلاسيكيات ..أخبريني كيف أخترقك وأفرد نفسي بداخلك لأشعرك بما يعصف بي ..أتشعرين؟؟..أتتعذبين مثلي؟؟.. ما أروعه من عذاب..
"وحشتيني"
ولن أقول"جداً" لأني أشعر أن السياق يختل هكذا..سأقولها علي طريقتي .. سأقولها مرة واحدة ..ولكنك يجب أن تقرأينها مليارات المرات كي تصل..ولن تصل..
"وحشتيني ......أوي"


فقرة خامسة وسادسة إلي مالا نهاية...
"وتمر الأيام":


لا أعرف..حقيقة لا أعرف..لا أعرف ماذا أريد الآن ؟؟ رغبات عدة أتطاحن بينها كقمحة يتيمة بين رحى لا ترحم..هل أبكي؟ أصرخ؟ أكتب؟ أقرأ؟ أنام؟ أخرج؟ تجاوزت الساعة الثانية بعد منتصف الليل في مساء شديد البرودة ..والكل نائم ..أسمع شخيرهم لكنه لا يزعجني ..لا أرغب في شيء محدد بشدة وأرغب في كل شيء بقسوة .. يراني الكثير ممن حولي خارقاً ..موهوباً..فلتة الزمان والمكان ..وتصالحي مع نفسي صفراً فهل ستفيدني إذن صيحات الإعجاب ؟؟ تشويش يسيطر علي كل الأفكار والأصوات والرؤى ..أشعر بقرب حدث ما ..لا أعلم هل سيكون مفاجئة مبهرة أم كارثة متوقعة ..ولكن حدسي يخبرني أنه سيحدث وفى القريب العاجل.. ما هذا الهراء الذي أكتبه؟؟
عبث متقن ..
لن أكمل

السبت، ١ ديسمبر ٢٠٠٧

كعلاج


حين خُلق الداء والدواء من أصل واحد..
كنتِ أنتِ....أنتِ.....أنتِ..
ولم أكن أنا....أبداً..

دواعي الاستعمال:

أن تتوالي الصدفة تلو الصدفة عبر سنوات عدة لتضعك في طريقي كحلم و تحشرني في ممر وجودك كمأزق ..أن تبحثين عنه فتجديني تحت أول مقعد ..أن أراكِ كحلم يقظة غرائبي فتتجسدين أمامي في اللحظة ذاتها ..أن يحدث كل هذا خلال واقع مؤلم نتهمه دوماً بالجور..فنتردد في التصديق ..عندما تكون المرحلة التالية لفقدان الثقة في كل الأشياء هي فقدان الثقة في نفسي ..عندما أكون في أشد الاحتياج لمن تقف كسد في طريق انهياري نحو قاع المنحدر ..لكني لم أكن أعلم أنكِ......

التفاعلات الدوائية:

لم أشعر قط بمثل ما أشعر به بمجرد إنهائي لمكالمتي معِك..خدر لذيذ يدغدغ أطرافي ..لسعة برد رقيقة تداعبني فأتجمع وألملم شتاتي..وكأني حققت أحد أهدافي العليا ..وكأني كنت محتاجاً منذ عصور لاستراحة المحارب ..أنفلت من مداراتي الكونية لأطير في خطوط متعرجة بين المجرات عارياً كما أنجبني الشيطان ..أضع قدماً علي"عطارد" وأسند الأخرى علي قمر من أقمار "المشتري" ..أتكيء بظهري علي "المريخ" فيصبغني بأحمره ..أتجه متكاسلاً إلي "بلوتو" لأغتسل بالثلج والبرَد..كنت في أشد الاحتياج لمن تجففني بمنشفة حنانها وبدفء اشتياقها و وهج جمالها ..لكني لم أكن أعلم أنك....

موانع الاستعمال:

حب...من الأحمق الذي تفوه بهذين الحرفين القذرين الذين يفتقدا أي قيمة بدون الراء تتوسطهما لتمنحهما حرارة المعنى!! ..ومن قال أني غارق في أحلام اليقظة حتي أذني؟؟ أتخيلني غاضباً ..صوتي مرتفع-كعادتي عندما أغضب غضبة الحليم-فتأتي إليّ كحوارية بين يدي مسيحها ..تتعانق شفتيكِ ببراءة ويمتد خط بصرك علي استقامته حتي مركز الأرض ذاته ..أرفع كفي فلا تهتز خلجة بكِ كماسوشية ..أمد سبابتي ..ألمس أسفل ذقنك ..أرفع وجهك ..أحتويكِ بعيني ..بمجرد أن تبتسم عيناكِ أري أطفالاً يتقافزون في الفراغ ..أقبل جبهتك..أُسكنكِ علي صدري ..أحتضنك بشدة ..فيتقابل صفي الرموش فوق أنفك وعينيكِ بهدوء شديد ..لا يرغبا في الانفصال علي الأقل في تلك اللحظة ..قد أكون تخيلت كل ذلك لأني في أشد الاحتياج لأن يحدث ..ولكني لم أكن أعلم أنك....

الآثار الجانبية:

لن أحسب عدد الليالي التي أضنيت بها السهر حتي كلّ ..لن أقول عدد السجائر المحشوة التي استهلكت التفافاتها المتعرجة..لن أدّعي أني أدخن كمدمن في اليوم الثالث لتوقفه عن التعاطي..كما لن أحصي عدد زجاجات الخمر التي جعلتها تقاسي خلوها من أي سائل يؤنس وحدتها ..لكن النادل عندما أتي لي بالأخيرة سألني بتودد:"محدش جابلك ترمس..؟؟" فأشارت برأسي أن "لا" لأني لو كنت فتحت فمي كان صوتي سيخرج متباطئاً مخنوقاً بجملة:"كنت أعلم أنها لن تتصل ..فماذا ستفعل الخمر في من أدمن خداع نفسه ..ولن يكف؟؟" .. ولكني أجزلت له البقشيش !!كنت في أشد الاحتياج ألا يحدث ما توقعت ولكني لم أكن أعلم أنكِ.....

أعراض الانسحاب :

شبح راسبوتين يلوح في الأفق وكل ما فعلته وأفعله وسأفعله ليس بغرض تغييب أو نسيان أو إدمان..فذلك سبيل العجزة ..لكني أريد أن أزحزح تفكيري قليلاً .. أخففه.. أبطي سرعته.. أبعثره ..أن أُدخل عقلي في شارع جانبي غير مزدحم ..أن أغمس رأسي في زئبق بارد ..رأسي التي لا أود الآن إلا قطعها قبل أن تُشج من تلقاء نفسها من جرّاء القذائف الموجهة المنبعثة من داخلها فتصطدم بجدارها وتعاود الحركة بنفس السرعة والقوة كتصادمات مرنة ..أتريني الآن كمراهق تلعب أحلام الهوي بمصائره؟؟.. أم ككازانوفا متمرس يسير بمهارة علي الصراط دون أن تمس النار جلده أبداً؟؟ .. أم كرجل خمسيني ناضج يقاسي أزمة منتصف العمر ؟؟ ليس المهم كيف تريني ..يكفيكِ فخراً أنك تقرأين كلماتي الآن..ويكفيني مجداً أنكِ ملهمتي ..لم أشك بذكائكِ أبداً في فهم ما وراء السطور ..لكني سأعاود كذبي لأخبركِ أنه مجرد نصاً أدبياً ..كنت أحتاج وبشدة لأن أخبرك أن كلماتي موجهة إليكِ...إليكِ أنتِ.....ولكني لم أكن أعلم أنكِ....

الجرعة وطريقة الاستخدام:

قالوا قديماً أن الوقاية خير من العلاج ..لكني وجدت أن الاستغراق في الداء قد يجلب نفعاً يتغلب علي فوائدهما معاً ..قد يُستخلص منه أمصالاً ناجعة لداءات أشد فتكاً ..........قد
لم أكن أعلم أنك ِ أنقذتيني من الوقوع لتلتفي خلفي وتقذفيني بقوة أكبر نحو القاع مباشرة ..أنكِ بدلاً من تجفيفي أحرقتيني تماماً واستدفئتي بدخان حطب عظامي ..أنكِ بدلاً من أن تتخيليني كما أتخيلك ..كنتِ غارقة في أحلامكِ معه .. لم أكن أعلم أن خروج كلماتي تؤلمني أكثر مما تريحني..وأنك قوية وقاسية وناضجة بما يكفي لأخبركِ أنكِ

كنتِ أنتِ ...أنتِ ...أنتِ..
ولم أكن أنا.....أبداً..