الاثنين، ١٧ نوفمبر ٢٠٠٨

هدية متواضعة بمناسبة مرور عام


للداخل أكثر



ضجيج مارة وسيارات..(للداخل)..مقهى على الطراز الحديث..(للأعلى)..دور ثان من نفس المقهى..(يميناً)..مقاعد خاوية تتحلق حول مناضد لا يشغل كل منها سوي مزهرية بيضاء صغيرة بداخلها زهرة بلاستيكية حمراء..
والآن(للأمام)..ها هم ..

هي : ستظل تحبني ..أليس كذلك ؟؟ ..حتى لو غزت التجاعيد وجهي أو ترهل جسدي أو تبدل جمالي ؟؟
هو :أحبك أنتِ..!!
هي : عندما نتزوج سأصنع لك كل الطعام الذي تحب ،سنكون أسعد زوجين .
هو:إن شاء الله .
هي:يااااااااااااااااااااااااارب .
هو..ينظر إليها مبتسماً من كل روحه ..



زحام نسبي وجو خانق..(للداخل)..حركة لا تتوقف من وإلي..(للأسفل)..نوافذ قطع تذاكر و بوابات مرور..انتظار..قطار يأتي..(للداخل أكثر)..عبر الوجوه والأجساد..تستند بظهرها على بوابة لن تنفتح قبل سبعة محطات ويواجهها رافعاً ذراع ممسكاً بيد جلدية مُعلقة بقائم اسطواني معدني..

هي:أريد الإنجاب بعدما نتزوج مباشرة ،أريد طفل واحد ..واحد فقط .. لا ..بل اثنين .. ولد وبنت .. وسأدعوهم بأسماء تبدأ بنفس الحرف الذي يبدأ به اسمينا.
وكانت عيناها تلمعان بنبض الأمل .
هو ..يشير برأسه إشارة مفادها الموافقة وعيناه تشملانها بحنان جارف يريد احتضانها..التهامها..احتوائها..إخفاؤها عن عيون العالم .
هي:أريدهم أن يعملوا مثلك ..لا ..بل أن يعمل كل منهم ما يحب .. لن أخطأ معهم الخطأ الذي ألوم الآخرين على إتيانه..سأجعلهم يمارسون الرياضات والفنون وأصطحبهم للنوادي والملاهي والمكتبات..سأجعلهم أسعد أطفال العالم .. وسأخصص يوماً في الأسبوع نخرج فيه كلنا سوياً .. ستخرج معنا ..أليس كذلك ؟؟
هو .. اتسعت ابتسامته وداخله يموج بانفعالات فرحة ظهرت على عيناه كإلتماعات ما قبل انسكاب الدمعات الدافئة علي خده المشغول بشعيرات الذقن القصيرة .
هي .. وكأنها انتهت لتوها من إنشاء جنتها الخاصة بالمكعبات الملونة وقطع "البازل" الكثيرة وقامت تجري وضفائرها الطويلة تتطوح خلفها كبندول..وكأنها للتو تلاحظ نظراته السارحة معها والغارقة في هيامها والمتوحدة مع آمالها .. فابتسمت ببراءة المتعلقة ببنطال أبيها بعدما أثنى على ألعابها الجميلة ومدينتها التي صنعتها وحدها .. تورد خداها وهمست : لماذا تنظر إليّ كذلك ؟ ..ونظرت حولها وكأنما لتفهمه أنهما ليسا وحدهما وأن نظراته مكشوفة للجميع .
هو .. يرسل لها قبلة في الهواء .



في الشارع نصف المظلم متشابكي الأيدي يسيران ..وكأنها تظل صامتة إلا عندما يكون معها تظل تتكلم وتتكلم وتتكلم وهو يستمع ويستمع ويستمع حتى أنها أحياناً تضيع في متاهة ما تقول .. فتتوقف غير عالمة الموضوع الأساسي أو ما الذي ساقها لتلك النقطة؟!.. يضحكان ..
هي(مشيرة بسبابتها اليمنى إلي السماء):حبيبي....أنظر ..
هو..بلا رد..يصوب فوهات أعينه على أقصى امتداد إصبعها الجميل.
هي:كم هما لامعتان تلك النجمتان هذا المساء ..أليس كذلك؟

في الشارع نصف المظلم متشابكي الأيدي يقفان..الهلال المكتنز يتوسط المسافة بين النجمتين شديدتي اللمعان ..يروقها المنظر فتتأمله قليلاً ثم تنظر نحوه .. إلى وجهه الناظر لأعلى بلا انقطاع .. إلي ابتسامته الصافية .. إلى عيناه اللتين تراهما دوماً جميلتين ..(للداخل) .. إلى أهدابه الطويلة المنتظمة .. إلي حدقتيه العسليتين .. (للداخل أكثر) .. يرى الهلال بين النجمتين وقد تحول لفراش معلق بين شجرتين تغفو عليه حبيبته.. والمشهد بأكمله يتوسط حديقة تتبع "فيلا" صغيرة ..

هي..ساكنة الجفنين مبتسمة الشفاه .. يغطي نصفها الأعلى "تيشيرت" أبيض بحمّالتين على الأكتاف الملساء .. تتوسد ذراعها الأيمن البض بينما الأيسر يرقد بجانبها في سلام ..وعلى امتداد جونلتها الزرقاء القصيرة كانت أقدامها الصغيرة حافية .. بلا حذاء ..
هو..كان واقفاً بجانبها ..ينظر إليها ..يتأمل روعتها.. يتنسم عبيرها الذي تنضح به ..من الجهة الأخرى للفراش المُعلَق تركض طفلة صغيرة في الحديقة قادمة نحوهما ..يشير لها بإصبعه على شفتيه أن(هشششششششششش)..يثني ركبة ويفتح ذراعين لاستقبالها .. يحتضنها ويقبّل جبهتها ويرفعها لأعلى .. يشير لها أن تتكلم بصوت خفيض بالقرب من أذنه ..فتهمس بعبارات طفولية لا يميز من بينها سوى كلمة "ماما"...

الثلاثاء، ٤ نوفمبر ٢٠٠٨

مازاليات عبد الله


إهداء...


-إلي روح أبي العلاء المعرّي التي تحوم حولي منذ ولادتي بلا انقطاع برغم عدم استحقاقي لذلك في أجمة أحايين ..
-إلي نسائم محمد عفيفي مطر التي تأتيني كل قرن ثلاثة مرات على الأكثر ..
-إلي كل من لا يزال حياً في تلك المقبرة العفنة التي أُجبرنا على دخولها ..


مازاليات عبد الله



مازال..



يتكور مرتعشاً في باطن رحم بوتقة الرحمة .. ينأى بذاته عن شبهات لوثت براءتها أنياب الغير المتدثرة دوماً بدماء طازجة ..ينتعل قلبه ويرحل دوماً في خطوط أصبحت من فرط استقامتها مثاراً متجدداً للدهشة ..




مازال..



يستسلم خاضعاً لقوس كيوبيد لا يختار-أبداً-وجهته..يضحك كطفل ويبكي كامرأة وحيدة ويفكر كعجوز ويمضي ليلته كرجل أعزب..يضجع علي فقاعة حلم الغد الأفضل مع عدم وجود تاريخ شخصي لاحتمالية حدوثه..يحلم اليقظة..يطير..




مازال..



يرى أفيونته قمر وحيد في ليلة صمتها موسيقى ..يطلي تواضعه بغروره ويخفي ضعفه بطبقات ليست هشة من نفس الغرور السابق ..يسبح في غدير الغدر-عكس التيار –واحداً لا ينتمي..لا يفهم ويؤرقه ذلك وعندما يقترب من الفهم يندم .




مازال..



يصنع-مستعيناً بأزاميل خياله –العرائس الحلوات من دخان لفافته.. يسخر من البورصة ..يستهزيء بالفرصة ..يتنمس للفرحة ..يتفاعل بكليته مع الذكرى.. فيحتضن –بشوق المحتضر لتنفسه أو المحارب الحق للنصر أو الشهادة- الجيد منها ..فيجترّها..




مازال..



يحاول بعنفوان توتر العالم مجتمعاً التملص من الذكرى الجارحة ولكنها تحاوطه بأطرافها كأنثى عنكبوت لن تلتهمه ولكنها ستدخره لموسم جوع ..يمل الملل ويصبر علي الصبر وحتى في حالة نفاذ هذا الأخير لا يُنفذ إلا ما يود هو تنفيذه.. متوهماً بذلك ..




مازال..



يحيا بنكهة موات ..ميتاً بمظاهر حياة ..يعتقد -بسذاجة بالغة-أن الأنثى جنس أنعم وألطف وأضعف.. يستهلك كل طاقاته في تحويل مسار براكين غضبه عمن يحب مهما كانت مساحة الإساءة المُتلقاه ليقع بعدها صريع كبح جماحه وجهاد نفسه..
يلوم ذاته أولاً .. يكتب ..




مازال..



يُخلص للأشياء عِوضاً عن عدم إخلاص البشر له .. يغتسل بالاستغفار بعد ممارسته لكامل العلاقة مع عيون تطفح حياءاً وبراءة لتُداري جيوشاً من أفاعٍ .. يصارع الحياة والموت معاً بسلاح اللامبالاة..تجرحه أشواك الزهور ويقطفها غيره..
ينتظر ..