الثلاثاء، ١٦ ديسمبر ٢٠٠٨

ترنيمة العشق الملكي


اهداء وشكر خاص:


إلي المبدعة نورسين ..

قلباً وقلماً..

لاشتراكها في هذا النص بكليهما..

ترنيمة العشق الملكي


قامت ملكة الملكات من نومها منزعجة فارتفعت بنصفها الأعلى من على الفراش الوثير .. متثائبة .. واضعة ظهر كفها الأيسر على أمام فمها ..مادة ذراعها الأيسر على أقصى امتداده ناحية اليسار ..ثم حركت رجليها وأنزلت قدميها الصغيرتين جميلتي الملمس علي أرضية الحجرة .. وما أن لامس كعباها الأملسان بلاط حجرة النوم الملكية .. حتى طلع النهار ....
رأت ملكة الملكات في منامها .. ورؤى الملكة لا تُخطيء ..لا تُخطيء رؤى الملكة .. الملكة رؤاها لا تخطيء .. كاتبها الحبيب الذي يُسلي أوقاتها بقصصه وحكاياته العجيبة ويقتل فراغها ومللها بنوادره الغريبة والقادر على قتل أرقها وتحويل دفة يأسها وجعلها أدق وأسرع في اتخاذ قراراتها .. رأته في منامها مهموماً عابساً وقلبه يكاد ينفطر بخنجر الحزن القديم .. رأته وروحه تحترق جالساً على ضفة نهر .. يبكي.. فتسيل دمعاته لتحيل مياه النهر لهيباً يستعر وكلما ترقرقت دمعة كلما استطالت ألسنة اللهب حتى تكاد تلامس أعنة السماء .. تعرف هي تفسير ذلك الحلم ..فالملكة تعرف الكثير ..كثير ما تعرفه الملكة .. تعرف الملكة الكثير .. تعرف ذلك الحزن القوي المبهم الذي يصيب الأرواح المرهفة .. تعرف أن مثل هؤلاء من ينظرون للعادي والمألوف بأعين من ماس فيحيلونه مثيراً وباعثاً للحكمة لأرواحهم أحكاماً قاسية لا يعرفها العامة ..أدركت أن كاتبها الأثيري قد زُج به في تلك الشرنقة السوداء وآلت على نفسها أن تخرجه .. ولأنها تعلم مدى ما يمكن أن تصنعه الكلمة بخالق للكلمة التقطت ريشتها الفضية من المحبرة العاجية وبدأت تخط على ورقة مأخوذة من جذع نخلة أندلسية .....
وما أن أنهت الملكة رسالتها حتى أودعتها مظروفاً أنيقاً يليق بالملكات وفوّحته بنقطة من عطرها النفّاذ وأرسلته مع أحد خصيانها لكاتبها في كهفه العالي بالجبل العظيم الواقع على حدود المملكة وعندما اشتم الكاتب عطر الملكة قبل أن يصل المرسول بساعات هبط من جبله ليستلم الرسالة بأيدي تبتسم وأعين تزغرد وقلب يكاد يتوقف من فرط الرقص ....
وهكذا قرأ الرسالة .......
"كاتبي ..."
ياله من شرف ملكتي الحسناء أن تذُيلي تلك الكلمة الملعونة بحرف الياء ..فامتلاكك لي يجعلني أخف من الطير وكل فرص الحرية أمامي إلا أني أؤثر عليها جميعاً التحليق حول هالتك النورانية متغذياً على ما تجود به روحك النقية الساحرة وسأشعر بالتخمة والامتلاء كلما ناديتني بلقب أو اسم يحمل بآخره ياءاً مثل تلك الياء ..
"المدلل"
يااااااااااااااااه يا مليكتي ..كم كنت أنزعج قبلاً عند سماعي تلك الكلمة .. فالمخلص لك لم يكن يوماً هذا الشخص ولا حتى اقترب منه بأي صورة من الصور أو شكل من الأشكال .. وددت أن أكون .. ومَن لا يود ؟!! ..لكن مولاتي الجحود ليس من صفاتي .. فمنذ وقعت عيناي علي جمال مولاتي وأنا مدلل مدلل مدلل ....!!
" انفث دخان حرائقك الغائرة في صدري ..."
آه مولاتي من سخونة دمعاتي التي سالت علي وجناتي عند قراءتي لتلك الكلماتِ .. أتريد ملكتي مني أنا الصعلوك الشريد التائه في البلاد أستجدي قروش العباد بحكي مكرر مُعاد أن أوجه دخان حرائقي الأسود القاتم المُقطرن إلى صدر مولاتي النقي الصافي الحاوي لأحن القلوب ..؟؟
"لتعود لك نسائم هادئة ...."
شديد الوثوق أنا مليكتي العظيمة أنه ستعود إليّ نسائم هادئة محملة بعطور الجنة طائرة على سحابة قطنية رطبة محمولة على أجنحة العصافير المغردة ..
"الزمه طويلاً ..املأه.. اشكوه واشكو إليه ..."
كم تمنيت أن ألزمه ..أن أرتمي به وأبكي ..أبكي وأبكي وأبكي حتى أنام .. أغفو تماماً فوقه .. بل -وسامحيني مولاتي إن تماديت في الحلم –أن تحتضنني ذراعاكِ بينما أنا على ذلك وتمسح عني كل ضعف و ألم و وهن .. كم شكوته إليه في سري .. شكوت وحدتي في بعاده وعجزي في صعوبة الوصول ...
"شق ستاره واسكنه..."
كفي مولاتي بالله عليكِ .. هل جاءتني رسالتكِ خطئاً ..هل المَعني بتلك الكلمات المُبعثات من موات أحداً غيري ؟؟ ..أسكنه.. نعم .. حلمت أن أسكنه لليلة واحدة أنتهي بعدها غير راغب في أي شيء وعندما أُسأل بعد وفاتي "هل عرفت في حياتك عذاباً قط ؟"
فأجيب "..قطعاً..لم أعرف طعم العذاب أبداً ......أبداً لم أعرف طعم العذاب " ...
"وابق به وحدك ..والق كل ما سواك خارجه "
ليس جديداً عليّ أن أكون وحدي مولاتي فأنا المحكوم عليه من الأقدار ألا أشبه أحداً .. ليس لي يد في أن أنشذ عن قطعان تماثلت وصفوف تراصت ..في أن يكونوا علي حال وأكون علي آخر .. أن أولد بيوم من أيام العام أتي مرة في غفلة من الزمن لم ولن يتكرر لأنشأ جسداً منكفئاً علي روح محلقة شديدة التنازع والتألق والسمو والانحطاط .. روح تدفع صاحبها إما أن يكون ناسكاً أو أن يكون لمفتاح بيت الشيطان ماسكاً .. أن يلتحف عباءة مسيح العصر أو أن ينغمس في وحل الرذيلة كخنزير .. فعاندت كليهما سيدتي ولجأت للإفلات من بين فكي المقص الحادين ..أغزل حكاياتي وحيداً في الليالي الطويلة الباردة وأدور بها أمتع الصغار وأحاول إزالة الصدأ عن أرواح ونفوس الكبار .. وأعود أول الليل أحتمي بجدران كهفي .. وإلي الآن أبقى به وحدي .. ولكن كيف يمكنني قبول الدعوة بأن أبقى بقلبك .. و وحدي .. إن قلبي أضعف من أن يتحمل ذلك .. فها هو من مجرد قراءة ذلك يحاول الخروج من مسكنه القديم بركلات متصاعدة في السرعة للجدار الداخلي لقفصي الصدري .. يبدأ الاستعداد لإلقاء كل ما سواه خارج حدود الجنة التي نالها بعد صبر طويل حق الطول ..
بعد أن يقرأ الخطاب عشرات المرات ويستطيع –بصعوبة بالغة- إبعاد أعينه عن أحرفه .. طواه .. قبّله .. ضمه إلي صدره بقوة .. وكلما يتحرك خطوة نحو مدخل الكهف يعاود الرجوع .. هل ستواتيه الجرأة للوقوف بين يدي ملكته والجهر بمكنوناته التي طواها لشهور وشهور .. هل سيمكنه حينها تطويع بلاغته وفصاحته لإغراقها بمشاعره المتدفقة .. خرج مسرعاً مندفعاً نحو طريقه إلي القصر وقد عزم علي أن يختصر كل مكنوناته خلال نبراته في نطق كلمتين "أحبُكِ"........."أشتااااااااااااااااااااااقُكِ" .........

"التُقل صنعة" ..كلمتان فقط كانتا تعليق وصيفة الملكة وخادمتها المطيعة المخلصة عندما أطلعتها الملكة علي رسالتها قبل إرسالها مباشرة ..فكان لذلك التعليق دوراً رقابياً لا يستهان به حيث أن ما تم حذفه أسهم-بدون أدنى قصد-في ألا يتجنب عاشقنا المتيم تلك الكلمتين بالتحديد في بث أشواقه .. فكان نص الرسالة –قبل أن تعرضها الملكة علي وصيفتها وبالتالي تجري عليها تعديلاً صغيراً بحذف كلمتين- كالتالي :
"كاتبي المدلل..انفث دخان حرائقك الغائرة في صدري لتعود لك نسائم هادئة ..الزمه طويلاً ..املأه ..اشكوه واشكو إليه ..شق ستاره واسكنه ..وابق به وحدك ..والق كل ما سواك خارجه ..أحبك .. أشتااااااااااااااااااااااقك.."
"التُقل صنعة" ..ترددت ثانية في أذن الملكة ولكنها أحست بها هذه المرة كأغلال من حمم جهنم تكبل قدميها عندما جعلتها –إمعاناً في الدلال- تتأخر قليلاً علي حبيب القلب والذي أخبرتها خادمتها أنه ينتظرها في بهو القصر ..

الاثنين، ١٧ نوفمبر ٢٠٠٨

هدية متواضعة بمناسبة مرور عام


للداخل أكثر



ضجيج مارة وسيارات..(للداخل)..مقهى على الطراز الحديث..(للأعلى)..دور ثان من نفس المقهى..(يميناً)..مقاعد خاوية تتحلق حول مناضد لا يشغل كل منها سوي مزهرية بيضاء صغيرة بداخلها زهرة بلاستيكية حمراء..
والآن(للأمام)..ها هم ..

هي : ستظل تحبني ..أليس كذلك ؟؟ ..حتى لو غزت التجاعيد وجهي أو ترهل جسدي أو تبدل جمالي ؟؟
هو :أحبك أنتِ..!!
هي : عندما نتزوج سأصنع لك كل الطعام الذي تحب ،سنكون أسعد زوجين .
هو:إن شاء الله .
هي:يااااااااااااااااااااااااارب .
هو..ينظر إليها مبتسماً من كل روحه ..



زحام نسبي وجو خانق..(للداخل)..حركة لا تتوقف من وإلي..(للأسفل)..نوافذ قطع تذاكر و بوابات مرور..انتظار..قطار يأتي..(للداخل أكثر)..عبر الوجوه والأجساد..تستند بظهرها على بوابة لن تنفتح قبل سبعة محطات ويواجهها رافعاً ذراع ممسكاً بيد جلدية مُعلقة بقائم اسطواني معدني..

هي:أريد الإنجاب بعدما نتزوج مباشرة ،أريد طفل واحد ..واحد فقط .. لا ..بل اثنين .. ولد وبنت .. وسأدعوهم بأسماء تبدأ بنفس الحرف الذي يبدأ به اسمينا.
وكانت عيناها تلمعان بنبض الأمل .
هو ..يشير برأسه إشارة مفادها الموافقة وعيناه تشملانها بحنان جارف يريد احتضانها..التهامها..احتوائها..إخفاؤها عن عيون العالم .
هي:أريدهم أن يعملوا مثلك ..لا ..بل أن يعمل كل منهم ما يحب .. لن أخطأ معهم الخطأ الذي ألوم الآخرين على إتيانه..سأجعلهم يمارسون الرياضات والفنون وأصطحبهم للنوادي والملاهي والمكتبات..سأجعلهم أسعد أطفال العالم .. وسأخصص يوماً في الأسبوع نخرج فيه كلنا سوياً .. ستخرج معنا ..أليس كذلك ؟؟
هو .. اتسعت ابتسامته وداخله يموج بانفعالات فرحة ظهرت على عيناه كإلتماعات ما قبل انسكاب الدمعات الدافئة علي خده المشغول بشعيرات الذقن القصيرة .
هي .. وكأنها انتهت لتوها من إنشاء جنتها الخاصة بالمكعبات الملونة وقطع "البازل" الكثيرة وقامت تجري وضفائرها الطويلة تتطوح خلفها كبندول..وكأنها للتو تلاحظ نظراته السارحة معها والغارقة في هيامها والمتوحدة مع آمالها .. فابتسمت ببراءة المتعلقة ببنطال أبيها بعدما أثنى على ألعابها الجميلة ومدينتها التي صنعتها وحدها .. تورد خداها وهمست : لماذا تنظر إليّ كذلك ؟ ..ونظرت حولها وكأنما لتفهمه أنهما ليسا وحدهما وأن نظراته مكشوفة للجميع .
هو .. يرسل لها قبلة في الهواء .



في الشارع نصف المظلم متشابكي الأيدي يسيران ..وكأنها تظل صامتة إلا عندما يكون معها تظل تتكلم وتتكلم وتتكلم وهو يستمع ويستمع ويستمع حتى أنها أحياناً تضيع في متاهة ما تقول .. فتتوقف غير عالمة الموضوع الأساسي أو ما الذي ساقها لتلك النقطة؟!.. يضحكان ..
هي(مشيرة بسبابتها اليمنى إلي السماء):حبيبي....أنظر ..
هو..بلا رد..يصوب فوهات أعينه على أقصى امتداد إصبعها الجميل.
هي:كم هما لامعتان تلك النجمتان هذا المساء ..أليس كذلك؟

في الشارع نصف المظلم متشابكي الأيدي يقفان..الهلال المكتنز يتوسط المسافة بين النجمتين شديدتي اللمعان ..يروقها المنظر فتتأمله قليلاً ثم تنظر نحوه .. إلى وجهه الناظر لأعلى بلا انقطاع .. إلي ابتسامته الصافية .. إلى عيناه اللتين تراهما دوماً جميلتين ..(للداخل) .. إلى أهدابه الطويلة المنتظمة .. إلي حدقتيه العسليتين .. (للداخل أكثر) .. يرى الهلال بين النجمتين وقد تحول لفراش معلق بين شجرتين تغفو عليه حبيبته.. والمشهد بأكمله يتوسط حديقة تتبع "فيلا" صغيرة ..

هي..ساكنة الجفنين مبتسمة الشفاه .. يغطي نصفها الأعلى "تيشيرت" أبيض بحمّالتين على الأكتاف الملساء .. تتوسد ذراعها الأيمن البض بينما الأيسر يرقد بجانبها في سلام ..وعلى امتداد جونلتها الزرقاء القصيرة كانت أقدامها الصغيرة حافية .. بلا حذاء ..
هو..كان واقفاً بجانبها ..ينظر إليها ..يتأمل روعتها.. يتنسم عبيرها الذي تنضح به ..من الجهة الأخرى للفراش المُعلَق تركض طفلة صغيرة في الحديقة قادمة نحوهما ..يشير لها بإصبعه على شفتيه أن(هشششششششششش)..يثني ركبة ويفتح ذراعين لاستقبالها .. يحتضنها ويقبّل جبهتها ويرفعها لأعلى .. يشير لها أن تتكلم بصوت خفيض بالقرب من أذنه ..فتهمس بعبارات طفولية لا يميز من بينها سوى كلمة "ماما"...

الثلاثاء، ٤ نوفمبر ٢٠٠٨

مازاليات عبد الله


إهداء...


-إلي روح أبي العلاء المعرّي التي تحوم حولي منذ ولادتي بلا انقطاع برغم عدم استحقاقي لذلك في أجمة أحايين ..
-إلي نسائم محمد عفيفي مطر التي تأتيني كل قرن ثلاثة مرات على الأكثر ..
-إلي كل من لا يزال حياً في تلك المقبرة العفنة التي أُجبرنا على دخولها ..


مازاليات عبد الله



مازال..



يتكور مرتعشاً في باطن رحم بوتقة الرحمة .. ينأى بذاته عن شبهات لوثت براءتها أنياب الغير المتدثرة دوماً بدماء طازجة ..ينتعل قلبه ويرحل دوماً في خطوط أصبحت من فرط استقامتها مثاراً متجدداً للدهشة ..




مازال..



يستسلم خاضعاً لقوس كيوبيد لا يختار-أبداً-وجهته..يضحك كطفل ويبكي كامرأة وحيدة ويفكر كعجوز ويمضي ليلته كرجل أعزب..يضجع علي فقاعة حلم الغد الأفضل مع عدم وجود تاريخ شخصي لاحتمالية حدوثه..يحلم اليقظة..يطير..




مازال..



يرى أفيونته قمر وحيد في ليلة صمتها موسيقى ..يطلي تواضعه بغروره ويخفي ضعفه بطبقات ليست هشة من نفس الغرور السابق ..يسبح في غدير الغدر-عكس التيار –واحداً لا ينتمي..لا يفهم ويؤرقه ذلك وعندما يقترب من الفهم يندم .




مازال..



يصنع-مستعيناً بأزاميل خياله –العرائس الحلوات من دخان لفافته.. يسخر من البورصة ..يستهزيء بالفرصة ..يتنمس للفرحة ..يتفاعل بكليته مع الذكرى.. فيحتضن –بشوق المحتضر لتنفسه أو المحارب الحق للنصر أو الشهادة- الجيد منها ..فيجترّها..




مازال..



يحاول بعنفوان توتر العالم مجتمعاً التملص من الذكرى الجارحة ولكنها تحاوطه بأطرافها كأنثى عنكبوت لن تلتهمه ولكنها ستدخره لموسم جوع ..يمل الملل ويصبر علي الصبر وحتى في حالة نفاذ هذا الأخير لا يُنفذ إلا ما يود هو تنفيذه.. متوهماً بذلك ..




مازال..



يحيا بنكهة موات ..ميتاً بمظاهر حياة ..يعتقد -بسذاجة بالغة-أن الأنثى جنس أنعم وألطف وأضعف.. يستهلك كل طاقاته في تحويل مسار براكين غضبه عمن يحب مهما كانت مساحة الإساءة المُتلقاه ليقع بعدها صريع كبح جماحه وجهاد نفسه..
يلوم ذاته أولاً .. يكتب ..




مازال..



يُخلص للأشياء عِوضاً عن عدم إخلاص البشر له .. يغتسل بالاستغفار بعد ممارسته لكامل العلاقة مع عيون تطفح حياءاً وبراءة لتُداري جيوشاً من أفاعٍ .. يصارع الحياة والموت معاً بسلاح اللامبالاة..تجرحه أشواك الزهور ويقطفها غيره..
ينتظر ..


الجمعة، ٢٤ أكتوبر ٢٠٠٨

لعودة المطر .....أعود


من وحي صلاة القديس فرنسيس


إلهي ..
اجعلني أداة لسلامها..
عندما تواجه منهم الكراهية.. لا تجد مني إلا الحب..
عندما تواجه منهم الجرح.. لا تجد مني إلا اعتذاراً ..
تجد فيّ كل الإيمان ..عندما يحاوطها الشك..
والأمل ..عندما يلفها الإحباط..
والنور ..في عز الظلمة ..
والفرحة ..في غمرة الكآبة ..

ربي العظيم القادر ..
اجعلني أداة لسلامها..
تتفهمني كما أتفهمها..
تحبني كما أحبها..
تسامحني كما أسامحها ..
نعطي كلُّ منّا الآخر بلا حساب للأخذ
فيتضاعف..

معبودي الواحد الأحد الغفور ..
اجعلنا سيمفونية وحيدة في الزمن النشاز..
حقيقة مؤكدة في دنيا والظن والاحتمال ..
ضوء ساطع في ظلام القلوب..
وظلام هاديء في ضوء المادية المُعمي..

رب انصر الحب بنا..
انصر العفو بنا..
انصر الإيمان بنا..
إنما إيماننا بما بيننا هو إيمان بصوتك داخلنا..
انصر بنا الأمل
فأملنا بك وفيك ومنك ولك ..
رب انصر بنا النور
فأنت النور ..
رب اجعل نيران الأيام برداً وسلاماً علي حبيبتي
كما جعلت نيران الحريق علي عبدك ونبيك وكليمك
إبراهيم عليه السلام..


آمين يارب العالمين ..

السبت، ١٨ أكتوبر ٢٠٠٨


بردان..


بردان أوي..


بردان أوي ..بجد


بردان أوي بجد ..لدرجة البكا..

الأحد، ٢١ سبتمبر ٢٠٠٨

والثواني جمرات في دمي



أملاً في أن تُهديء قطرات المياه المندفعة من فتحات "الدش" من التوتر والشد المتزايدان واللذان كادا يفتكا برأسي .. وقفت تحته ساكناً .. مغمض الأعين .. موجهاً رأسي للأعلى ..شردت بنات أفكاري في عدة اتجاهات فنسيت ذاتي معلقة تحت الماء لما فوق الساعة ولم أفق من شرودي إلا علي صوت ارتطام مؤلم لفكرة قاسية بجدار جمجمتي من الداخل فلملمت بنات أفكاري إلي قواعدهن .. خُرجت من تحت الماء ظاناً أني أفضل حالاً ... مجرد ظن ..


"هو صحيح الهوى غلاب ؟؟ .. معرفش أنا .. والهجر قالوا مرار وعذاب .. واليوم ..اليوم ..اليوم بسنة .." ..تشدو أم كلثوم وأتأثر تأثيراً مضاعفاً .. بل مضروباً في عشرة أضعاف ..فأشعر أن أطرافي ترتخي بل وتبدأ في الارتعاش .. ويستسلم جفنيّ السفليان لدمعتين تنفلتا علي الخدين لتغيبا في خضم أحراش شعرات الذقن المُهملة .. وأوقن أن هؤلاء من "قالوا" عن الهجر كانوا شديدي التفاؤل ..أنفلت من مدار المنزل وأنطلق بلا وجهة ..


أحاول احتضان الشارع الذي أوحشتني تفاصيله حيث لم أطأه منذ فترة ليست بالقصيرة .. فلا أجده مرحباً بي كما كنت أتوقع ..الشارع المبهج المزدحم كما عهدته أضحى مظلماً إلا قليلاً ..مقفر إلا قليلاً .. لا يقطع صمته المؤلم سوى نباحاً أو مواء ..أسير متأملاً .. محاولاً شغل عقلي بأي شيء غير ما يستبد به ويحتله من هواجس جارحة .. المحال القليلة المفتوحة-والتي تترواح الأسماء علي لافتاتها بين الوفاء والأمل –يشغلها باعة عابسون ..تمر سيارة كل فترة ببطء مميت .. يدخن سائقها بعصبية ويشتركون جميعاً في البصق من النافذة المجاورة لكرسي القيادة ..تسقط على رأسي نقاط قليلة-آخذه في التزايد- من المياه.. أُرجع سقوطها للمكيفات التي انتشرت ..ومع تكرارها أرفع رأسي لتأكيد السبب الذي افترضته فلا أجد أي مكيفات ..لا أجد إلا بعض قطع الملابس البيضاء الساكنة على أحبالها ..فأتعجب من قلة الغسالات الاوتوماتيكية بهذا الشارع والتي تتولى مهمة التجفيف ..أصبح سقوط النقاط شديد السرعة والتكرار .. رفعت رأسي للأعلى مدققاً لأرى ما لم أره من قبل .. أنهار رفيعة من المياه تتخذ مساراتها علي أوجه جميع البنايات والنقاط التي تصيبني كانت تلك المنهمرة من السطح السفلي للشرفات .. تطول وقفتي تحت كل عمارة لأتحرك عدة خطوات وأكرر الوقفة المندهشة أمام التي تليها لأجد المنظر ذاته.. هو يوم بكاء العمارات إذن ..أضحك للخاطر ولعقلي المكدود الذي يجد-دائماً – وقتاً وطاقة للمزاح .. لم تتوقف بعد ذلك قطارات اندهاشاتي المتتالية عن دهس أي افتراض واقعي .. فالشوارع الأسفلتية تُخرج مياهاً من بواطنها ..زجاج السيارات الأمامي تسيل علي أسطحه شلالات المياه والمساحات لا تتوقف عن إزالته..ليتجدد .. والحوانيت تصنع المياه المُتسربة منها بركاً دائرية أمامها .. الدموع تحاوطني من كل جانب .. من يميني من يساري .. من فوقي ومن تحتي .. مما يجعلها تكاد تنفجر من داخلي .. تخنقني ..


وفجأة .. لا أعلم من أين خرج لكنه استوقفني سائلاً عن "الساعة " .. نظرت إليه .. رجل قصير القامة ..قصير الشعر أشيبه ..شديد النحول وكأنه تمثال صُنع هيكله من المعدن ولم يُكسى ب"الجبس" بعد ..كانت أسنانه هي راية الابتسام الوحيدة في ذلك اليوم .. لم أستطع تحويل نظري عن عينيه حيث كان يملك زوجاً من العيون الزرقاء مخيفة الرؤية .. زرقتها من النوع غير المتكرر .. تحمل مزيجاً رائقاً متجانساً من درجات الأزرق حتى أنك تظنها صفحة محيط أو فص لازوردي نفيس الحجر يستقر بخاتم مليوني الثمن يلتف حول خنصر عاهرة امتلكت نصف العالم لمجرد حصولها علي قشرة جلدية خارجية جميلة لم تبذل قطرة عرق في صنعها .. هو لا ينظر إليّ ..بل ينظر نحوي ..ابتعدت عنه قليلاً فلم تتحول نظرته .. فلم أعجب أن تكون تلك الأعين كونية الجمال لا تري .. فهمت الآن سر ابتسامته ..أخبرته عن "الساعة" ..فتحرك ..إما أنه يعرف طريقه جيداً أو أنه سائر بلا وجهة مثلي .. اختفي في الظلام ..


بدأت أشعر بشحنة من الوهن تغزوني وفي طريق العودة كانت خطواتي شديدة البطء ..الصداع يقيد رأسي بأصفاد من فولاذ .. أرجلي لا تقوى علي حملي وظهري سرطاني الألم .. لم يؤلمني منذ فترة طويلة ولم أحمل شيئاً ثقيلاً .. ولكن روحي المُرهقة-كما لم تكن من قبل- ردت عليّ في سرعة .." ألا تريد لظهرك أن يتألم ..!! .. يكفيه قلبك بصدرك كحمل يحمله ..ليأن " ...
قاربت علي الوصول للمنزل ونويت النزول مرة ثانية تحت "الدش" لأهدأ من روع نفسي قليلاً وأسهل دخولها في مراحل أولية لنوم عميق وطويل .. ولكن هذه المرة كانت شلالات المياه أقوى وأعنف ..بالرغم من أني ..لم أفتح الصنبور ....!!

الأحد، ٣١ أغسطس ٢٠٠٨

مهما حصل


مهما حصل
ولو الطوفان وصل
متقدريش ف يوم تنسيني..


ولو قالولي إن فيضان الهلاك
طالع من الأقدام للجباه..
صورتي ف خيالك
صوتي ف ودانك
والقوة من قلبي لقلبك
همّا أطواق النجاة..


ولو قالولِك خلاص .. دا فات
والحي أبقى م اللي مات
أو حتى قالوا خلاص دا باع
وسابك لوحدِك للضياع
إوعي تصدقي.. إلا اليقين
الغرقان بدموع حنين..
مهما البعاد طال أو فصل
بينى وبينك خطوتين
والدنيا عليها لينا دين
و أحلفلك بدل الميت يمين
يحلف لساني بسحر عين
إن العيون والقلب همّا اللي اختاروكِ
و إوعي ف يوم تنسيني
أحسن يطردوكِ
من جنتي..
و ساعتها تلقي الشمس حامية
بعد ما وقعت شجرة وارفة
أغصانها حضني ولهفتي..


ولو جابولك يوم جثتي
متصدقيش..
هتلاقيني
دايماً وقت ما تعوزيني ..
ولو قدرتي تعِدي كل النجوم
أو تعَدي البحر
من غير ما تبلي الهدوم ..
مستحيل تنسي ف يوم
اللي قالك:
مهما حصل
ولو الطوفان وصل


مقدرش أنساكِ أبداً ..


مهما حصل ..

السبت، ٢ أغسطس ٢٠٠٨

ما فعله "بوب مارلي "بوسط البلد..!!


إبداع "بوب مارلي" والغروب يتحرشا بي كي أكتب .. لا لأكتب ككاتب ولكن كعازف حالم مغمض الأعين منفرد بمسرحه.. الإضاءة خفيفة الزرقة والجماهير الحاشدة لا تصدر عنها أدنى همسة .."بوب مارلي" ذلك الساحر ..ذلك النبي الصغير يملؤني بالطاقة الإيجابية والتي تنعكس مني علي من وما حولي ،يجعلني أنظر بحنان بالغ إلي المروحة "البوكس" الصغيرة الواقفة علي الكرسي الخشبي في حجرتي التي بدأ الظلام في إخفاء تفاصيلها تدريجياً من الداخل للخارج تجاه النافذة ، أحاول إدارة وجهي عن المروحة فأفشل .. أنغمس في تأملها حتي تتحول تدريجياً إلي طفل صغير شديد الجمال والبراءة والذكاء يحمل بعض ملامحي والكثير من ملامح حبيبتي التي أدعو الله أن يحفظها ويمنحها السعادة والتي أرسل إليها قبلة هادئة وأتتبع مسارها تخترق الشوارع حتي تصل إليها فتشعرها براحة مفاجئة-ولكنها قصيرة المدى- غير مفهومة المصدر بموقع وجودها الحالي في "وسط البلد "..!!
"وسط البلد" ..أعزف تلك المقطوعة على أوتار الذكريات .. فتكون من أجمل ما عزفت حيث تسقط دمعات بعض المستمعات من فرط التأثر .. "وسط البلد"..عرفت أجمل من عرفت وأفضل من عرفت بها.. كما عرفت أحقر من عرفت وأدنأ من عرفت بها .. وعلي مقاهيها وبين شوارعها مررت بلحظات مكثفة استطالت في أماكنها فحُمِلَت بمساحات هائلة من مشاعر ممتزجة بأحداث مربكة غيرت مسارات حياتي وتوغلت في عمق الزمن فاستحالت عمرا بأكمله .. أنسجم بتلك المقطوعة وأعزفها علي نحو لم يسبق لي أن عزفتها به .. وبمجرد انتهائي تندلع طلقات التصفيق من فوهات رشاشات أكف الجمهور .. أقف مبتسماً ..أبحث بعيني بينهم .. حتي وجدت من ستعادل سعادتي لسعادتها بنجاحي كل معني جميل خُلق بهذه الدنيا أو لم يخُلَق..!! .. وجدتها تصفق بحرارة شديدة وابتسامتها المتوترة مع وقفتها المفاجئة ترميان إلي فرط الشعور الذي عجزت الانفعالات المتوقعة عن احتواءه .. ومع هدير التصفيق في أذني نزلت دمعاتي مع دمعاتها التي سالت علي وجهها ثم علي فستانها الأسود البديع ذلك الذي ابتاعته من "وسط البلد" بعد أن شربت عصير "الأناناس" الذي تحبه مع شقيقتها و التي لا يكفي اسمها الجميل إلا لحمل أقل القليل من صفاتها الرائعة .. وقبل أن تأكلا بذلك المطعم الذي تحفظ أركانه شقشقات فجر حبنا الأولى ..

الخميس، ٢٦ يونيو ٢٠٠٨

لحظات الألم والندم والسعادة..ليست مجرد لحظات.


عمر الكون بأكمله عبارة عن مجموعة من اللحظات المتراصة .. لا لحظة تشبه الأخرى حتى في أكثرها مللاً ..

أجلس في شرفة المنزل مع سيجارة صباحية حالماً بفنجان من القهوة ولكني أتكاسل عن القيام لصنعه .. أرتدي ثوب الفيلسوف وأمارس هوايتي المستديمة في التأمل .. أحاول استخلاص بعض اللحظات من محيط لحظات عمري متلاطم الأمواج فتهاجمني لحظات الألم والندم والسعادة ببريق مميز .. ألم أمي النائمة بالداخل لا تستطيع حراكاً عندما كنت
أحمل الكرسي المتحرك الذي يحملها صاعداً بها ..بينما يساعدني أخي وحارس العقار الذي نقطنه من الجهة الأخري .. أتذكر صوتها الواهن الذي يخرج بصعوبة من بين ستائر دمعاتها الساخنة " متشيلش انت يا حبيبي عشان ضهرك ميتعبكش .. انت بقالك يومين واقف ف المستشفي "..أتجاهل ندائها وأستمر في حملها وأبعث لها نظرة حانية محاولاً تخفيف خوفها عليّ وأؤكد لها أني لن أتركها وسأظل بجانبها .. ليست المسألة أمومة وبنوة ولكن كيف يمكنني ألا أفرش جسدي بساطاً تحت أقدام من يفكر في تعبي بينما الألم الفتّاك الذي فشل المورفين في تهدئته يضرب دواخله .. بمنتهي العنف ..!!


الجبال المميزة للبحر الأحمر تطل من قريب وتدرج لوني خلاّب يعلوها متدرجاً لتدهن الزرقة الصافية سقف المشهد .. حفيف أجنحة الغربان وصوتها المميز خلفية موسيقية حالمة تعيدني للحظة ندم هذه المرة .. صرح شامخ يقف مطلاً
علي نيل القاهرة تُزين بوابته الأمامية أعلام كثيرة لدول مختلفة ..يحمل علي صدره كلمتي "وزارة الخارجية " .. يفصل المبنى عن النهر طريق للسيارات ورصيف تحتله مقاعد خشبية يشغلها في تلك الساعة المبكرة إما بعض العجائز أو الأجانب المستريحين قليلاً لاستئناف رياضتهم الصباحية .. ركضاً .. إلا مقعد واحد .. الذي يعطي ظهره للوزارة مباشرة .. أشغله أنا وحبيبتي .. كان الحديث شيقاً فعلا .. خرج من دائرة الثرثرة واستقر في قلب البوح .. أطرقت قليلاً .. ثم نطقت بمنتهى البساطة ما زلزل كياني وأنعش روحي وداعبها .. " كان نفسي تبقى أول واحد ف حياتي .. بجد.. ياريتني ماعرفتش حد قبلك " .. أه يا رفيقة دربي لو تعلمين كم أعتز بتلك الشهادة .. اقتربت منها قليلاً بنشوة جارفة أصابتني في تلك اللحظة البديعة " انت اتجننت ؟؟..انت مش عارف احنا فين ؟؟"
عذراً وزارة الخارجية .. يجب أن أختم الشهادة ..


ومن علي وجنتها الطفولية الصافية.. خطفت قبلة ..


بدأت آشعة الشمس ترخي سدولها علي سفوح الجبال فتُظهر تضاريسها بوضوح .. بدأت في رشف القهوة مع مراقبة الشمس وهي تغزو بأصفرها بقعة فبقعة من المنازل و المباني والطرق والأرصفة .. أفكر في مساء الأمس وكيف كانت حالتي النفسية شديدة السوء .. ولأني أعلم قوة الضغوط التي تعرضت لها مؤخراً وكيف يمكنها أن تبطش باتزاني الذي أحاول جاهداً الحفاظ عليه-ليس من أجلي- فقررت البحث عن سعادة حقيقية تخرجني من تلك الحالة وبأقصي سرعة
ممكنة .. لن تجدي المُسكنات .. لابد من علاج شديد الفعالية .. بحثت ونقبّت لكني لم أجد إلا سعادة حقيقية واحدة .. أن تكون حبيبتي بين ذراعيّ .. استرجعت كل الأحاسيس التي من الممكن أن تزحزح حالتي المزاجية خطوة نحو الأفضل فلم أجد إلا ذلك الشعور ,.أغمضت عيني وسافرت لملكتي النائمة في مخدعها .. وبهدوء شديد-لألا أوقظها – مدّدت جسدي بجوارها .. وبهدوء أشد احتويتها بين ذراعيّ .. شعرت بحرارة جسدها تجذبني تجاهها .. سكتت أذناها عن سماع ما كان يدور بحلمها .. ابتسمت عيناها ونظرت شفتاها تجاهي .. تشبثت بي واختبأت بصدري في حنان هاديء..
سمعت آذان الفجر ..تيقنت من تحسُن حالتي ..اتجهت إلي الله .. حمدته وشكرته عليها ..دعوت كثيراً لها ولنا .. ودخلت إلي الشرفة أتأمل في بديع صنعه وأحاول أن أكتب أن..


لحظات الألم والندم والسعادة.. ليست مجرد لحظات ....

الثلاثاء، ٢٠ مايو ٢٠٠٨

زمن



ذهاب:



لكل منّا صومعته .. ولكن صومعتي فقدت الكثير من قداستها بعدما قلّت قراءاتي وكتاباتي بشكل واضح .. ولكني لازلت نادراً ما أبرحها .. جالساً في أحد أركانها كنت .. أزيل طبقات التراب التي اتخذت لذواتها مساكناً مؤقتة علي أسطح الكتب المُكومة .. وبينما أنا مقرفصاً وحاجباي ملتحمان بقوة لأنهما لا يجدا لمسة حانية تفرقهما إذ أحسست بتلك اللسعة الساخنة في سمّانة ساقي اليُسرى .. استدرت متألماً .. وقبل أن أحدد –وبدقة- ملامح وألوان ذلك الثعبان الذي فعل فعلته اندمجت في دوامة غريبة من اختلاط الأحلام بالهلاوس بالواقع .. ويبدو أني كنت متوقفاً –وبحذر- علي بوابة من بوابات الموت السبعة.



تحليق:


أطير فوق صفحة زرقاء لمحيط.. نعم .. أنا أطير .. بلا أجنحة .. يالها من متعة .. جسدي كما هو .. كل ما هنالك أني كنت مُحلقاً فوق الجميع .. أُشغل جميع ماكيناتي بعقلي .. بمجرد التمني .. فكرت في الانعطاف يميناً .. فحدث .. أن أهبط قليلاً .. فهبطت .. واخترت بعض البلدان التي كنت أحلم بزيارتها .. فنزلت إليها .. لاحظت أن أحداً لا يراني .. أفعل ما أشاء دون أن يلحظ أحد .. أشاهد وأراقب وأستمع .. أسرق ما أشاء من الطعام والشراب والكنوز .. أدخل المنازل وأجلس أمام الأزواج المتضاجعين أتلذذ بمشاهدتهم ولا يراني أحد .. وبينما أنا طائر من بلدة لأخرى ..أصابني ملل شديد .. سأم .. وحدة قاتلة .. يأس من كل شيء .. اختناق كاد يُفقدني توازني ويودي بحياتي .. استعدت توازني .. وهبطت علي قمة جبل .. لم يطل بي التفكير حتي أوقن .. أنني حتي لو استطعت الطيران .. فلن أسعد .. مادمت وحيداً ..!!


عجز:


روحي محشورة في جسد طفل رضيع .. حركتي محدودة .. أعضائي صغيرة .. لم أتعلم الكلام أو المشي بعد .. أجلس علي فراش واسع وثير وأمامي إمرأة تعطيني ظهرها وتجلس أمام مرآه تنظر إليها بلا انقطاع .. جسدها يحجب عني وجهها الظاهر –بالطبع-في المرآة .. فلا أرى إلا شعرها الناعم الطويل ويديها اللتين تنتقلان من تصفيفه إلي اللهو المُتقن بأدوات الزينة .. أريد أن أقوم .. أن أجري .. أن أنام .. أن أعود لحياتي .. فلا تتحرك إلا عيناي الواسعتان .. اشتقت كثيراً لحبيبتي كل خلية بجسدي تناديها .. أشتاق للمسها .. للإحساس بأنفاسها الساخنة تلفح وجهي .. كيف سأقابلها بهذا الجسد الصغير ..؟؟ أريد أن أخرج حالاً .. فأبكي .. لا أعرف سلاحاً غير البكاء .. فأبكي و أبكي و أبكي .. المرأة أمامي لا تنتبه إليّ وكأنها صمّاء .. يتعاقب الليل والنهار وتمر الأيام ..و أنا أبكي .. يغلبني النعاس أحياناً ..فأغفو .. لأصحو ودمعاتي الساخنة قد جفّت علي وجنتيّ الورديتين اللدنتين .. فأعاود البكاء .. صدري يؤلمني من قسوة النشيج ورأسي تكاد تنفجر من الصداع .. وفجأة .. تستدير المرأة لتنظر إليّ .. وللمرة الأولي أري وجهها .. فأتوقف عن البكاء تدريجياً بقليل من "النهنهة" حتي أتوقف نهائياً .. تتسع ابتسامتي البريئة حتي تصل لكل شخص في مكانه –حتي النائمين- فيبتسم العالم بأسره .. تعاود المرأة استدارتها لتواصل ما كانت تفعله .. فأعاود البكاء..



مرور:



جسدي هذه المرة مفتول العضلات بشكل رائع .. أقف بدائرة شديدة الاتساع .. مُثبت بمركزها عمود رأسي قصير .. مُثبت به وتدور حوله ثلاثة أذرع سميكة وطويلة وعظيمة محفور علي كل منها حرف من حروف كلمة "زمن" .. يُشكل هذا البناء البسيط الساعة الكونية الأم والتي تتبعها جميع الساعات مع اختلاف المواقيت .. كل ما أقوم به هنا أنني أحاول دفع عقرب الثواني حتي يجري بشكل أسرع بعدما فشلت فشلاً ذريعاً مع عقربي الساعات والدقائق .. أملي الوحيد ينعقد علي هذا الذراع الرفيع الذي يسير بسرعة أكبر من رفيقيه .. حاولت معه بشتي الطرق .. حتي أنني قمت بالجري فسبقته ووقفت أمامه أحاول إغاظته ولكنه لم يتوانى عن السير بنفس انتظامه .. استنفرت كل قواي وأخذت أدفعه من الخلف .. تشنجت عروقي وبدأت عضلاتي في التقلص والتيبس وهو يأبى إلا أن يسير بهذا البطء القاتل .. تفصد العرق من جميع مسامي وضغطت علي أسناني حتي كادت تتقلَع من أماكنها .. وإذا بعقرب الثواني يسير مُسرعاً للأمام ثم يعود ليصدمني بقوة ليقذفني بعيداً .. أغيب عن الوعي من أثر الصدمة حتي أفيق فأجد ذاتي غارقاً في تيه من ظلام مقيم لزمن متوقف .. أبحث عن حائط لأصدم به رأسي من شدة الحنق والحسرة .. فلا أجد .. لا حائط ولا أرض .. مُعلق في الظلام .. ألتهم أصابعي ندماً وأتمني العودة لزمن يجري .. حتي لو كان يجري بسرعة أكثر بطئاً من ذلك الذي لم يكن يرضيني ..



عودة:



أفيق في صومعتي .. لأجد الثعبان قد نبت له جسداً بشرياً ولكنه احتفظ برأسه ..
أحضّر الكئوس .. نقرع الأقداح.. ونتجرع نخباً مشتركاً من الذكريات المُرة ..

الاثنين، ٥ مايو ٢٠٠٨

خيانة



بخونِك..
أما ابص لواحدة تانية
أي بصة
مش مهم تكون بمعنى..


أما أقول الدنيا فانية
وانتي فيها ..


أما أشوف ف سمايا قمري
وانتي جنبي..


لما أقولك أي كلمة
غير "بحبِك"..


أيوة خُنتِك
يوم ما حبيت ملمس إيديا
قبل ما تلامس إيديكي..


يوم ما شوفت الدنيا وحدي
بره بوابة عينيكي..


أيوة خُنتِك
إني مقلتلكيش "بحبِك"
ألف مرة كل يوم..


و مين هيزهق
من كلام الحب اللي
مولود لكنه نازل بيجري
من جوه القلب الحزين..؟؟
اللي فرحه يوم لقاكي
فرحة العيد الكبير..


قالوا نثر
أو عمودي
أو بقافية
معرفش غير الشعر إنتي..


أيوة خُنتِك
يوم ما عقلي زي الاهبل
فكر انه حب قبلِك..
يوم ما قلمي كتب لغيرِك..
يوم ما قلبي حاشها عنِك
حروف "بحبِك"..
أيوة إنتي
اللي عشانها إبيَض قلبي
والنيل ضحكلي
وقاللي يابني
لو فكرت تنط فيّا
هبقى أرض
مش عشانك
بس لجل عيون حبيبتك..
معجزات ما بين ايديها
و اما تمشي
ورد يطلع تحت منها ..


أيوة خُنتِك
لو فكرت ف لحظة إني
مرة خُنتِك...!!

الثلاثاء، ٢٩ أبريل ٢٠٠٨

عازف قانون وحيد وسمكة خائفة تعشق الهدوء



هو:


كل مساء ..وقبل فتح الستار.. كان يرتدي نظارته السوداء لألا يخدش الحزن – المُحتل لعينيه من أثر الوحدة – استمتاع المستمعين لروعة عزفه .. علي القانون ..
لا يجلس مثل كل عازفي القانون في الصف الأول .. ولكنه يجلس في الصف الأخير .. وبالرغم من ذلك فإن ثلاثة من العجائز يحضرون إلي حفلات الفرقة الموسيقية التي يعمل بها خصيصاً من أجل القانون .. ينهي الحفلة ويحمل آلته .. يسير لمنزله .. يستبدل ملابسه بملابس أكثر راحة .. يحمل شبكة الصيد العجيبة التي ورثها من جده وعندما يعبر الطريق المفضي إلي البحر يتذكر جده عندما كان يصطحبه للصيد وعندما أورثه تلك الشبكة " في يوم ما .. لن أقله لك لألا تتكاسل اعتمادا علي ميعاده .. ستطلب من تلك الشبكة طلباً لن يُرَد " .. سنوات ولم يغير هذا العازف الوحيد أسلوب حياته كما لم يغير الطلب الذي يطلبه من الشبكة .. عندما يُرخي المساء ستائره السوداء.. يعزف .. وقرب نهايته .. يذهب للصيد .. وقبل أن تتمركز الشمس في كبد السماء .. يذهب للنوم .. وحيداً .. بلا صيد ..


هي:


لا يوجد في البحر مثلها .. سمكة زرقاء بديعة التكوين .. تنبثق من ذيلها الأصفر خطوط زرقاء غامقة كآشعة الشمس لتنتهي قبل بداية رأسها الذي تتوسطه عيناها الكبيرتان الجميلتان اللتان لا يضاهي جمالهما سوي زعانفها اللامعة.. خائفة دوماً .. خائفة من كل شيء .. من القروش والحيتان وأبو سيف والإخطبوط .. من الموت .. من قسوة الحياة .. من تلوث المياة .. من شباك الصيادين و صناراتهم .. ملّت ضجيج البحر وضوضائه و زحامه.. ملّت غدره وخياناته المتكررة التي تجرعتها يوماً بعد يوم فقررت اعتزال التجمعات التي كانت تنضم إليها مرغمة علّها تحصل علي بعض الألفة واحتمت بالشعاب المرجانية التي كانت تتغذي علي ما يتساقط من فتاتها وتدريجياً أخذ لونها يشحب ولمعانها يبهت وبريق عينيها يقترب من الانطفاء .. كانت تدعو الله وتتمني وتحلم وتطمح في الخلاص .. إلا أنها لم تكن تعرف كيف يكون ولكنها كانت واثقة بأيمان لا يتزعزع أن الله سيفعل الصواب ..


لقاء:


تمتم بأمنيته وألقى شبكته" لا أتمني إلا من أقتسم معه حزنه فأهونه عليه .. وأشاركه سعادته فتتضاعف "..نزلت الشبكة بهدوء مخترقة طبقات المياة لتستقر بجوار البقعة التي تختبيء فيها السمكة الخائفة ..ونادتها .. " هيا ..أقبلي أيتها الجميلة ..إنه يوم الخلاص " .. لم تستوعب السمكة أن يكون الخلاص علي يد شبكة صيد..؟؟ أيكون خلاصها أن تؤكل ..؟؟ .. ولكنها لم تشعر أن تلك الشبكة كأي شبكة .. أحستها مختلفة .. شعرت نحوها براحة وانجذاب جعلاها تستجيب لندائها الأوحد .. فتقدمت .. واستقرت بين خيوطها .. ونامت .. كما لم تنم من قبل ..
رفع العازف شبكته منتوياً الرحيل .. ولم يصدق عينيه عندما رأي تلك المخلوقة الفريدة ترقد بهدوء في شبكته .. ملأ حوض السمك الكروي الصغير بالمياة .. ورفع السمكة بين كفيه وقربها إلي شفتيه ..قبّلها .. ثم تركها تنزلق في المياه .. فتحت عينيها الكبيرتين الجميلتين .. لم تقفز .. أو تقاوم أو تتذمر .. استسلمت للوعد بالخلاص .. " فلنذهب يا صغيرتي .. فلم يعد هذا مكان أي منّا .. هيا بنا .. فأمامنا يوم طويل " قالها وعلي شفتيه ابتسامة قد هجرته منذ زمن .. وكان قلبه يرقص سعيداً علي أنغام من الفرح والبهجة والحبور ..


ماذا بعد ؟:


لم ينم العازف- الذي كان وحيداً –في ذلك اليوم .. قام بإعداد حوض السمك الكبير في شقته .. ملأ أرضيته بالأصداف والألعاب التي كان يعدّها خصيصاً لذلك اليوم .. نقل سمكته من الحوض الصغير للكبير .. وضع لها الطعام وأحضر قانونه وبدأ يعزف لها .. كانت تدور وتسبح في الحوض بحذر .. وعندما توقف عن العزف سألته :" ألن تأكلني ..؟؟" فرد: " لست صياداً ..!!" سألته :" أولست إنساناً ..؟؟ فرد :" لا تأخذيني بذنب باقي البشر " .. فعرضت عليه أن تحكي له حكاية عن البحر وعجائبه .. فوافق ..
وهكذا مرت الأيام .. يعزف لها .. وتحكي له .. يداعبها من خلف زجاج الحوض وتمتعه بسباحتها وحركاتها البهلوانية وألوانها البرّاقة وأحياناً يشكو لها فتهوّن عليه " أخبريني بالله عليكِ .. من يستحق أن أعزف له .. صوت آلتي يضيع وسط الضجيج .. ويلعب "الزهايمر " لعبته الدنيئة بعقول العجائز المخرفين الذين يدركون قيمة ما أفعله .. فما أن يغادروني .. لا يتذكرون شيئاً .. حتي اسم الآلة مضحك .. فلم يعد يتبعه أحد ...!!" فحركت ذيلها في دلال وقالت له :
" أولا أستحق أنا أن تعزف لي ؟؟" فابتسم ورد عليها في حنان :" بلي يا حبيبتي .. بل لا يستحق غيرك " وجلس يعزف لها ..
وبمقدار تزايد السعادة بداخلها لم تستطع التخلص من خوفها المتزايد بداخلها من الفقد .. من لحظة الوداع .. من يوم ضياع كل ذلك منها .. فكانت تسأله يومياً قبل نومه " ألن تتركني أبداً ..؟" وكان يجيبها في بساطة :" كيف أتركك وقد تمنيتك سنين .. كيف أتركك وقد حلمت بكِ قبل أن أجدكِ .. كيف أتركك وأنا لا أريد إلاكِ " .. فيطمئن قلبها .. وتحكي له حكاية جديدة .. قبل أن تنام ..


قضاء:


مرت الأيام والشهور والسنين .. والسمكة لم تعد خائفة ولكنها لا تزال تعشق الهدوء .. والعازف ظل عازفاً ولكن الوحدة لم تعد تعرف طريقاً إليه .. وفي يوم من الأيام علم العازف بوفاة أحد مستمعيه العجائز فذهب لمنزله ليقدم واجب العزاء .. وقلقت عليه السمكة قلقاً شديداً .. وفي كل دقيقة يتأخرها عن موعده .. كان قلقها وخوفها يتضاعفان .. حتي جاء .. واقترب يداعبها فوجد الدمعات تتساقط من عينها اليسري فقط .. وقبل أن يحكي لها ما حدث قالت بصوت يخرج بصعوبة من بين الدمعات " مش عارفة أحلّفك بأيه ..؟؟...بس............. ....... ..........................................................متسبنيش ..!!"
تأثر العازف بشدة .. جلس علي مقعده أمامها .. نزلت دمعاته رغماً عنه من عينه اليسري .. توقفت هي عن البكاء وحاولت أن تهوّن عليه .. أقسم لها أنه لن يتركها مهما حدث .. قالت أنها تصدقه ولكنها قلقت عليه عندما تأخر .. لم يستطع أن يوقف دمعاته حتي نزفت عينه .. وذهب بصره منها .. وبعد أيام لحقت بها عينه الأخري .. فلم يعد يغادر منزله .. ولم يعد يعزف إلا لها ..
نفذ مال العازف وطعامه .. هزل جسده وشحب لونه .. ولكنه كما هو .. يعزف لسمكته .. يداعبها .. ويستمع لحكاياتها الجميلة التي كانت بارعة في حكيها لدرجة أن كلماتها كانت تقع من عقله موقع المشاهد الحية فتعوض –ولو بعضاً – من فقدان بصره .. وفي هذه الأثناء كانت تشعر بالخجل والخزي والعجز بسبب عدم استطاعتها مساعدته .. وعندما اشتد به الجوع عرضت عليه أن يأكلها فرفض .. كان ضميرها يضربها من الداخل بضربات متلاحقة تمنت لو كانت أشد وأقوي حتي تنبت لها أيدي وأرجل وجسد بشري .. فتخرج من حوضها لتأخذه بين ذراعيها .. تستشعر حنانه المستديم وتكمل نواقصه فيري الدنيا بعينيها .. جميلة كما جعل حياتها .. ولكن حياته لم تدم حتي تتحقق لها امنيتها .. مات عازف القانون بعد أن تحققت أمنيته .. كما وعده جده .. بل وأكثر ..


و قدر:


من يوم وفاته .. وفي كل شهر .. في نفس اليوم والساعة والدقيقة والثانية .. تهبط دمعة كبيرة من العين اليسري للسمكة الزرقاء الجميلة .. وقبل أن تصل لقاع الحوض تتحول لسمكة صغيرة .. تشبه أمها تماماً .. وبمرور الشهور .. زاد عدد الأسماك الصغيرات .. وكن جميعاً يشبهن الأم تماماً .. يعشقن الهدوء .. ولا يعرفن للخوف سبيلاً.. وكانت الأم تجمعهن في كل يوم .. ولم تكن تحكي لهن ذكرياتها القديمة القاسية أو حتي حكايات البحر العجيبة .. لأنها كانت قد نسيتها تماماً .. كانت تحكي لهم فقط ما تتذكره .. حكاية عازف القانون الوحيد .. والسمكة ..........عاشقة الهدوء .................

الأحد، ٢٠ أبريل ٢٠٠٨

أسباب وجيهة للعشق



بعشقِك..


لجل التفافة الزمن اللولبي
اللولبية..
لجل من باعوا القضية
لجل أكبر سلطانية..


بعشقِك..


لجل الحنين
المحفور-وبخط واضح-ع الجبين..
لجل السلم والتعبان
والطغيان
وارتعاشة "العرش" الجبان..
والشمع اللي سادد كل الودان
والشمع اللي مطفي ف قلب الشمعدان
والانسحاب قبل ما يفوت الأوان ..


بعشقِك..


لجل الفصول المهزلية
لجل التكرار البذيء للمسرحية
أه من عيونك ..كهربية..


بعشقِك..


لجل العيون المرسومين
والرموش حول العيون المرسومين
والحواجب السيفين
فوق الرموش حول العيون المرسومين..


بعشقِك..


لجل الضمير اللي فسد
لجل الرواج اللي كسد
لجل السنان الواقعة
من بق الأسد..


يا مرشدي
امنحني أوسع مغرفة
أغرف كنوز المعرفة
وأرجع وأقول:


بعشقِك


لجل استدارة الجسد
ملقيتش غير سورة المسد
أدرأ بها عنه الحسد..


بعشقِك

بعشقِك

بعشقِك....

الأحد، ١٣ أبريل ٢٠٠٨

حالة


ولا أي كلمة حب اتقالت ف يوم ما بين اتنين


تسوى حلاوة كلمة منك قلتهالي...


عيد قلت ايه كده تاني وتالت أنا قلبي كله حنين


ولا يطفي ناره حبيبي غير لو عيدتهالي...


عارف بتعمل فيا ايه كلمة حبيبي ..؟!


زي اللي أول مرة بيحس بأمان....


خليك معايا


خليك معايا يا حبيبي مهما كان


خليك معايا


يا حلم عمري اللي ف خيالي من زمان...


عارف انت أجمل حاجه تفرح الواحد هي إيه ..؟!


إن اللي ياما حلمت بيه تلاقيه حبيبك


وانا عشت بحلم باللحظه دي دا اللي بدوّر عليه


أنا اسيب حياتي ودنيتي ولا يوم أسيبك


عارف بتعمل فيا ايه كلمة حبيبي..؟!


زي اللي أول مرة بيحس بأمان....


خليك معايا


خليك معايا يا حبيبي مهما كان


خليك معايا


يا حلم عمري اللي ف خيالي من زمان.........



بقلم :أيمن بهجت قمر

من ألبوم عمرو دياب الأخير بعنوان خليك معايا



بجد....

حاسس كل حرف فيها....


الأحد، ٦ أبريل ٢٠٠٨

محاولة


صباح اليوم كنت هاديء النفس متوهماً أني ساهمت في جعلها – إلي حد ما- كذلك .. التزمت صومعتي وقررت أن أنشر موضوعاً جديداً هنا .. فكرت في نشر قصيدة كنت قد كتبتها لها لأرسم علي وجهها ابتسامة .. أخرجت القصيدة وعدة قصائد ونصوص أخري .. كلما أفكر في نص أخر تُخرج لي القصيدة لسانها وتصرخ في وجهي أنها الأولي بالخروج إلي النور .. النور .. النور علي كل حال أمر نسبي .. لا يرتبط عندي بالشمس التي تدور حولها الأرض أو بالمصابيح الكهربية المدلاة كمشنوقين أبرياء ولكنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بها .. يرتبط بابتسامتها الصافية .. أو بضحكتها العالية التي تُرجع رأسها للخلف وهي تضحكها .. أو بنبرة صوتها الدافئة وهي تقرأ علي مسامعي تلك الأبيات الشعرية وتتبعها بأنها تشعر-ولأول مرة- بكل معني في تلك الأبيات .. يرتبط النور في قلبي بنظرتها الرائعة عندما يجري الشجن الجبان مختبئاً أمام سعادتها التي تستكثرها علي نفسها .. عند الكلمة السابقة تماماً كنت قد قررت أن أمسح السطور السابقة وأن ألتفت لجبال المشاغل العالية و أرجىء نشر عمل جديد ليوم آخر .. ولكنها أولي أولوياتي فكيف أنشغل عنها ..؟؟ .. حتي هذه اللحظة كتبت حوالي أربعة عشر سطراً .. ليسوا –بالطبع جزءاً من نص أدبي .. وليسوا حتي موضوع يصلح للنشر .. ولكنني نشرتهم وأعلم أن تعليقاتاً قد تأتي إعجابا بإحساسهم .. وتعليقاتاً أخري قد تأتي إشادة بجمال لغتهم .. وقد لا تأتي تعليقات علي الإطلاق .. المقياس هنا ليس التعليقات أو النشر أو أي شيء .. ليس هناك مقياس من الأساس .. فلم أفكر في شيء أكثر من تفكيري في غلق تلك المدونة .. لسبب واضح للعيان .. هل لم يظهر السبب بعد ..؟؟ السبب واضح وبقوة .. هذا الكلام بالأعلى .. هل هو ما يستحق أن ينشر ..؟؟ يجيب صوت ما بداخلي .. أن الأمر ليس رهناً بجودة ما ينشر ولكنه فقط كالمذكرات الشخصية التي قررت أن أطلع عليها بعض الأصدقاء .. أحياناً أتوهم موهبة أدبية فأحيل الحروف نصوصاً وأحايين أخري لا أحدث .. للمرة الثانية أقرر مسح كل ما كتبت وأتراجع .. هل تكمن السعادة في صندوق آخر غير صندوق الرضا ..؟؟ فلينظر كل حانق لما لديه قبل أن ينظر لما ليس لديه ..؟؟ فليحسب ما يزيد فيه عن الآخرين قبل أن يحسب ما ينقصه عنهم .. فليُخرج الآخرين من حساباته و يتحصن بأسلحته ضد الزمن فهو كافي لمواجهته ولا يحتاج لأشباح وهمية نصنعها من خيالاتنا لتعكير لحظات صفاء قليلاً ما تأتي .. تلك اللحظات التي بإمكاننا أن ننفخ فيها من أرواحنا والأرواح المُحبة من حولنا فتستطيل وتمدد قدر الإمكان .. فلترفع كفك أمام عينك وتتخيل الحياة من غيرها .. فلتنظر لعينك في المرآة .. وتخيل الحياة التي تدّعي سوادها وقد استحالت سواداً حقيقياً يقعدك عن الحركة وتصبح حينها كل خطوة بحساب .. حتي الخطوة ذاتها التي تخطوها متبرماً قد تُحرم منها .. أنظر حولك .. كما أنظر حولي الآن ..وأري النور قد بدأ يخفت .. يخفت تدريجياً مع صوتها المهموم .. أعجب ممن يحصر الحياة في قشور القشور وينسي أو يتناسى أن بداخله مختصر الكون.. قرابة سبعة وثلاثون سطراً ولا أجد أن محاولتي لبث بعض نور بها كما تبث بداخلي كل النور قد باءت إلا بالفشل .. ولكني لن أيأس أبداً كما لن أغير قراري ..بنشر القصيدة ..




العالم الجديد



دعينا من اليوم نكتب التاريخ
ونصنع الحضارات الأولي..
نستحم من وهج الصيف
في ماء قبلتنا
ونهرب من قسوة الشتاء
في دفء جسدينا..
تعالي نخلق الغابات
ببذور محبتنا
ونضبط التقويم
علي صحونا ونومنا
وابتساماتنا بنفس الشفاه..
دعينى أتنفس رحيق شعرك
ولتغفى علي وسائد صدري المشتاق
لا تتركي أبداً يدي
فانسلاخ الجلد عن اللحم فراق..
لا تتوهمي بوجود غيرنا
فالعالم أنتِ عينه وأنا الجفنان
العالم أنا لسانه وحنانكِ شفتان
وكيف أمل من احتضانك
والقلب أنتِ بين الضلوع سكن؟
لا تتنهدي ..أنا هنا
معطف
وخنجر
وريشة
وأنامل الولهان..
سأخلق النهار من ضوء عينيكِ
و آشعة الشمس رمشان..
وسأترك لك الليل
تغزلينه ورأسك علي كتفي
نرصّع سماواته بامتزاجات الشفاه
والقمر عناق..
ونغلق الصفحات في عالم الأحلام
فنصحو.. لنصنع عالماً جديداً
سكانه عشاق..




من الأصوب ألا أضيف شيئاً .. كفاني نزيفاً .. ولكن إرادة الله فوق كل شيء .. نزل المطر .. نزل المطر الغزير الجميل الطاهر العفيف النظيف.. كم أحب المطر وكم أحبها .. أتذكر طوال الشتاء الماضي كم وقفت تحت المطر أدعو لها ولي ..
يا حنّان ..يا منّان
تعلم ما تتمناه فحققه لها..يارب العالمين
تعلم ما يؤلمها فابرأها منه..يا أرحم الراحمين
وتعلم أني لا أريد أكثر من ذلك ..فحققه لها يا مجيب الداعين
قولوا آمين ........

السبت، ٢٩ مارس ٢٠٠٨

بقايا عيد الحب



كيس قمامة.. هو في الأساس لم يكن للقمامة .. ولكنها كانت "شنطة" بلاستيكية بيضاء أنيقة متراصة مع مثيلاتها علي رف أعلي من مستوي الذراع بقليل في محل ملابس متوسط الشهرة بأحد "مولات" القاهرة مطبوع عليها من الجانبين نفس الوجه لفتاة شقراء جميلة ومثيرة .. ماتت هذه الفتاة منذ ثلاثة أعوام بمرض خطير في رئتيها وهي لم تبلغ الخامسة والثلاثين بعد .. وقت التقاط الصورة لها كانت في زيارة لأمها بفرنسا .. حيث رفضت أمها ترك مارسيليا حيث التقت حبيبها الأول والوحيد المغامر الجزائري و والد الفتاة .. الفتاة المطبوع وجهها .. علي جانبي كيس القمامة..


بداخل الكيس عدة أشياء ..مثلاً.. زجاجات بيرة فارغة .. ولا يجب أن ننظر لتلك الزجاجات تلك النظرة الظالمة .. ففي الأصل كانت أوعية خضراء فارغة .. تضعها أمام عينك لتري كل ما خلفها أخضراً .. قاموا بملئها بهذا السائل وألصقوا علي صدرها تلك النجمة الخماسية كما وضعوها أعلي رأسها كتاج وأعطوها ذلك الاسم العجيب "كازوزة" .. الزجاج يُصنع من الرمل ..مثله مثل الذهب .. مثله مثل الطين الذي يصُنع منه القصور علي الشواطيء باستخدام المياة.. فتهزمها الأمواج ..أو القصور قبل الشواطيء بقليل باستخدام الملايين .. فلا يقدر علي هزيمتها شيء .. وأمام كل قصر حديقة صغيرة .. يلعب بها الأطفال الذين تغضب أمهاتهم كثيراً إن تجاوزوا سورها القصير إلي الخارج .. لأن ملابسهم سوف تتسخ بالرمال .. الرمال التي يُصنع منها القصور والذهب .. وزجاجات البيرة الفارغة ..


بداخل الكيس أيضاً علبة كارتونية حمراء .. تم "كرمشتها" اختصاراً للحيز الذي تشغله .. كانت العلبة تحوي "تورتة من الشيكولاتة " .. تم نقل التورتة من العلبة إلي الثلاجة في الليلة السابقة لعيد الحب بعد شراءها من عند ذلك الحلواني الذي يعمل عنده شاب قصير بشوش هو الذي قام ب"لف" الشريط الأصفر حول العلبة الحمراء.. قضت التورتة ليلتها بالثلاجة أملاً في أن تمر في الليلة التالية عبر شفاه عاشقة .. تلك الثلاجة نفسها قد تم تصليحها من أسبوع واحد وتعمل الآن بكفاءة عالية .. في أقل من ساعة قام بتصليحها ذلك الشاب "الألبينو" –عدو الشمس- ولم يتقاضى سوي خمسة عشر جنيهاً .. يملك ضميراً حياً هذا الشاب في زمن كادت تنقرض فيه الضمائر .. هكذا كان يخبره زميل مقعده في الكلية .. زميله القصير البشوش .. الذي يعمل الآن حلوانياً .. كان زميله لمدة أربع سنوات في كلية العلوم .. ولم يكن يعلم –و حتي الآن لا يعلم ولا أعتقد أنه سيعلم- أن تلك التورتة ستبيت ليلتها في الثلاجة التي أصلحها صديقه قبل أسبوع من الآن بعد أن نُقلت من العلبة الكارتونية الحمراء .. والتي تم كرمشتها اختصارا للحيز الذي تشغله..


عدد من أعقاب السجائر تسبح في الرماد المتخلف منها في "قعر" الكيس .. هذا الرماد الشبيه بالحالة التي وصلت إليها الخلايا الناضجة والسليمة لرئتي تلك الفتاة –المطبوع صورتها علي جانبي الكيس- بعد خمسة عشر عاماً من التدخين المفرط .. تلك الفتاة التي أصيب قبل وفاتها بثلاثة سنوات بمرض خطير في رئتيها .. وقبل وفاتها بفترة عادت من فرنسا بعد أن التقطت لها تلك الصورة التي أبهرت مندوب إعلانات مار بجوار محل التصوير الذي وضعها في واجهته .. عادت الفتاة إلي بيتها الصغير بجنوب إيطاليا .. عادت لتقضي مع حبيبها .. ليلة عيد الحب

الجمعة، ٢١ مارس ٢٠٠٨

بطاقة معايدة لثلاث أمهات لطفل كبير نسبياً



1-أم فعلية :


أمي العزيزة .. بالطبع لم ولن يعلم أحد سواي .. أن ما فعلتيه وتفعليه وستفعلينه معي لم ولن يفعله أحد غيرك .. وبرغم ما حدث وما سيحدث .. أحبك يا أمي .. لا أحبك لأنك أمي .. ولكني أحبك لأنكِ تستحقين فعل المحبة .. كل عام وأنتِ بخير .. يا أمي .......العزيزة ..


2-أم روحية :


أخجل وأنا أكتب لكِ وأنا مقصر معكِ أيما تقصير .. شبه متأكد أنا أن تلك الكلمات لن تصلك .. ولكني أكتبها .. أكتبها فحسب .. ومع أن الكتابة في حضرة من يسري الحرف في شرايينهم بديلاً عن الدم جريمة إلا أنك أوحشتيني كثيراً .. كم اشتقت لمجلسك الصوفي .. لجمالك الفرعوني وضحكتك الحقيقية .. إلي أمي التي أعلم أنها سترفض ذلك اللقب .. إلي الكاتبة العظيمة التي تعلمت منها أكثر مما يمكن أن أحصيه .. إلي كاتبتي الكبيرة عفاف السيد .. كل عام وأنتِ..أنتِ..


3-أم ..وأشياء أخري:


أمي....جوهرتي..سيدتي..ابنتي..صديقتي..بيتي..حبيبتي..حسنائي..
قطتي.. كنزي..تلميذتي..معبودتي..عشيقتي..أميرتي..سكني..
فراشتي..صاحبتي.. غزالتي..إمبراطورتي..موجتي..
صغيرتي..خليلتي..مُهرتي..ريحانتي..ولعي.. ملكتي..
رفيقتي..سيجارتي..لؤلؤتي..محررتي..معلمتي..
محظيتي..ملهمتي.. ثورتي..جميلتي..افتقادي..حنونتي
..وطني..فرعونتي..عصفورتي..جاريتي.. مولاتي..
أختي..ملاكي..وردتي..دوائي..باعثتي..أنثاي..ريشتي
..كروانتي.. بلسمي..شهدي..ضيائي..دافئتي..وسادتي..
نعناعتي..نسيمي..بسبوستي..أغنيتي. غاليتي..شقيتي..
نبيتي..فرحتي..طفلتي..سلطانتي..مدللتي..نجمتي..
آسرتي.. عظيمتي..فاتنتي..فواحتي..تفاحتي..شمسي..سمكتي..
حوريتي..جنّيتي..حوائي..
سيمفونيتي..ساحرتي..مجنونتي..حلوتي..

يا أمسي ويومي وغدي.. يا ماء عطشي ..يا مبعث زهوي..
يا ممحاة همومي ..يا سر أسراري ..يا مفتاح أحلامي..
يا منتهي آمالي.. يا راية هدايتي ..يا طوق نجاتي ..
يا نور عيني ..يا روح جسدي ..يا نبض قلبي..

يا لون عمري.. يا معني حياتي ..يا طعم نجاحي ..


زوجتي القادمة..
حلالي..
أم أولادي المستقبليين..


أحصيت من أسمائك تسعة وتسعين اسماً ..
فدخلت –علي يديكِ-الجنة ..


حبيبتي
كل لحظة في حبك عيد..........كل لحظة وأنتِ بخير ..
أدعو الله أن يبقيكِ لي و يحفظكِ من كل سوء ..
دعيني أقولها-لكِ- علي طريقتي :
"ربنا يخليكي ليا وميحرمنيش منك أبداً"..

السبت، ١٥ مارس ٢٠٠٨

حيوانات



أول شروط العلاج ..
الرغبة القوية والأكيدة ..
في الشفاء


قطتي المنزلية الأليفة .. لم يكن يصح أبداً أن تغادري فراشك الوثير لتهبطي لغابتنا دون أن تعلمي عنها شيئاً .. فلن تجدي أبداً من يضع أمامك طبق الحليب .. ولن تجدي من يمسح بيديه الهادئتين علي فرائك الناعم وأنتِ مستلقية علي فخذيه المرهقين وهو يهتز للأمام وللخلف علي كرسيه الهزاز .. يمسح التعب من مفاصلك وتدخلين الهدوء والسكينة لقلبه .. يركز بصره علي نار المدفأة بينما تتبادلان إرسال واستقبال الطاقة الايجابية حتي يذهب كلاكما في نوم عميق ..بالطبع تصدقيني الآن أن ذلك لا يحدث .. صدقيني فأنا ابن شرعي لتلك الغابة الموحشة .. أنا كلبك الوفي الذي لن يكذب عليكِ أبداً .. لم يكن من المفروض أن تنخدعي بمنظر الطيور المحلقة حول قمم الجبال و الغزالات السارحات في أمان وإناث الدببة المرضعات لصغارها .. قد تكون تلك صورتك الوردية عن الغابة والتي عرفتِها من برامج التلفاز الذي تشاهديه مع الصغار بعد أن يحمموكِ بماء دافيء ويجففوا الماء من عليكِ بالمجفف الكهربي .. تلك ليست الحقيقة كاملة قطتي .. لا تديري رأسكِ انزعاجاً من لساني المتدلي خارج فمي فلو لم أفعل ذلك للقيت حتفي من فرط حرارة الجو .. اطمئني لن يمتد لكِ طرفي بسوء فأنا لست مثلهم .. أنا من جئت أنقذك من أنيابهم قطتي الأليفة .. فقط اخبريني عن عنوانك القديم لأعيدك لمن يحبك بصدق .. نعم أنتِ محقة .. قد لا يقبلونك عندهم بعدما أصبح شكلك بهذا السوء وقد تقطّع فرائك وبُتر ذيلك الذي كنتِ ترفعينه خلفك في زهو .. ماذا قلتي ؟؟ هل أصدق أذني ؟؟ تريدين القدوم معي ..؟؟ أكبر أمنياتي كانت ألا ترفضي طلبي ذلك الذي كنت أخجل من أطلبه منكِ .. تطلبينه أنتِ .. هذا أكثر بكثير مما كنت أتمني .. تعالي معي إذن لكهفي الصغير .. سأنام طوال الليل –بنصف عين-علي بابه من الخارج .. وطوال النهار سأغلق عليكِ الباب بالأحجار القوية –لتأمينك وليس لحبسك قطتي المنزلية الأليفة غير العالمة بقواعد حياة الغابة-و أخرج لأبحث لك عن الطعام حتي تصبحين في أفضل حال.. وحينها سنقوم بجولاتنا سوياً .. وتختارين أنتِ البقاء ..أو الرحيل ..


رأينا الطريق ..
فلماذا لا نسير فيه ..؟؟


قطتي المنزلية الأليفة .. نعم سأظل أناديكِ بقطتي المنزلية الأليفة .. فلو رأيتِ نفسك بأعيني لأصابك الغرور الكاسح .. نصحتك من قبل .. ولكنك لم تستمعين .. أصررتِ علي خوض التجربة .. تشدقتِ بشعار الحرية .. من قال لك أن الرفض وحده هو ما يعني أن لنا إرادة .. فرفض الطيب من الأمور حمق وتهور .. وعدم تمييز الصالح من الطالح عماء .. وسأفترض أنكِ كنتِ كذلك .. هل كنتِ أيضاً صماء حين أخبرتكِ ألا تخافين الأسد مثلما تخافين الثعبان ..؟؟ .. الأسد صريح قطتي .. يزأر .. يظهر أنيابه .. يلهو بمخالبه .. يستظهر بعضلاته .. ليس له غرض مخفي .. يبوح بكل شيء .." أريد أن ألتهمك" ها هي رسالته الواضحة .. ولا يفعلها إلا إذا كان يتضور جوعاً .. أما الثعبان .. يا الله .. يالسعادتي .. ها هي الدماء قد بدأت تدب في عروقك من جديد .. وبدأت أطرافك في الحركة .. إهدأي ولا تخافي ..أعدك بأنك ستعودين أجمل مما كنتِ .. ها هو ذيلي يهتز –لا إرادياً- من السرور .. لا تتعجبي سعادتي قطتي .. فخالقنا وحده يعلم كم أهتم لأمرك ..هيا .. اعتلي ظهري.. فالكهف ليس ببعيد .. لمن يريد ..!!


اللوم علينا وحدنا
إن اتبعنا الشيطان
بعدما ظهرت لنا قرونه


قطتي المنزلية الأليفة ..دعينى أكمل لكِ .. الثعبان لا صوت له .. يسير مستقيماً ومتعرجاً.. لا صوت .. يصعد ويهبط ..لا صوت .. ناعم .. أملس ..عندما تغمضين عيناكِ قد يأتي بجوارك .. يبدأ في المرور علي جسدك فتتوهمين بأن ذلك الملمس هو لكف حكيم .... متسامح ... محب ... رحيم ... عطوف .. !! أو تعلمين قد ينقذ الثعبان حياتك .. نعم قد يفعلها بل قد يفعل معك ما هو أعظم ليخدم أغراضه الداخلية التي لا تهدف سوي لتعزيز بقاؤه مهما أزهق من أرواح أو ترك أجساداً ممزقة أو أرواحاً مُعذبة .. انظري لما يفعله أحد الثعابنة مع بني الإنسان لتعلمين كم هو خسيس ذلك المخلوق .. انه الثعبان الأسمر .. في البيئة الصحراوية التي تزخر بالزواحف تعيش الحرباء الفضية .. وهي كالأسد .. واضحة الغرض .. ما أن تجد طعاماً قد غفل عنه صاحبه .. تسرع إليه .. تنفث سمها الشفاف عديم الرائحة والمذاق وتختفي في أحد الشقوق .. يراها صاحبنا الأسمر .. فينقذ بشهامة منقطة النظير أهل ذلك المنزل .. يضع أي شيء علي الطعام مما يجعله منفراً .. جثة حيوان نافق .. فضلات بشرية أو حيوانية .. بعض الطين .. يأتي أهل البيت .. يتخلصون من الطعام .. لينقض عليهم صاحبنا الأسمر واحداً واحداً .. يغرس أنيابه التي لا يُظهرها إلا عند الهجوم في عمق شرايين الرقبة .. ويمتص الدم .. ليحيا ..
ليس سهلاً أن نشعر بالأمان ..
فإن حدث يجب أن نتشبث بتلابيبه ..
حتي النهاية ..
من يدري ..
ربما لو ذهب .. لن يأتي ثانية ..أبداً..!!

قطتي المنزلية الأليفة .. ها قد وصلنا لكهفي الصغير .. لا تخافي .. لن أتركك أبداً .. ماذا ؟؟ لا .. لم يحدث ذلك .. لم يتركك القط الأسود ذو العيون الخضراء .. ولم يتركك القط الرمادي ذو الفراء الناعم .. بل وجدت هياكلهما العظمية خارج جحر الثعبان الأسمر .. وإن كان ذلك قد حدث .. قد تحمل القطط بعض غدر .. أما أنا فلا .. أنا كلبك الوفي .. استلقي علي ذلك الفراش الذي صنعته لكِ من أوراق الشجر .. و هاهو الطعام .. أما أنا فلن يغمض لي جفن .. سأقف بالخارج .. أسترق السمع .. أنتظر فحيح .. الثعبان الأسمر ......

الأحد، ٢٤ فبراير ٢٠٠٨

حلمان لشخصين في شخص


" اسمحي لنفسك أن تحبيني أولاً..أن تصهري كل قواكِ وطاقاتكِ في بوتقتي .. كي تستطيعي رؤيتي كهدف يستحق التضحية من أجله" ..

هكذا قال لها عندما جاءها في منامها الذي آوت إليه مسرعة كي تكون صورته هي آخر ما تري قبل غفوتها..وذلك بعد أن ودعها من تحت شباكها متمنياً أن توقفه بعدما أعطاها ظهره ورحل لتنزل مسرعة وتقفز بين ذراعيه .. تلتهم شفتيه التهاماً .. يعصر ذراعيها الطريين من فرط الشوق.. يحكم ذراعيه أعلي خصرها و لا يفُلت شفتيها من بين شفتيه إلا لكي يضمها إليه بقوة وكأنها يريد مزجها معه .. وكأنه يريد إدخالها بداخله كي تكون أحلامها أحلامه ..كي يحميها من كل شيء .. من البرودة التي تستجيب لها كطفلة .. من الزمن الذي يتعامل معها كجلاد .. من البشر الذين ينظروا إليها كبشر .. وما أقسي تلك النظرة وأحقرها.. !! يقبّل ظهر كفيها ويريح وجهه بين باطنيهما الدافئين .. فيصيبها ملمس ذقنه غير الحليقة برعشة لذة ويبعث بداخلها حرارة شهوة .. يفيق من حلم يقظته أثر تعثره علي الطريق الذي لم يذق طعم الأسفلت ..
واقفان أمام معرض للأثاث .. يتماثلان في الملابس .. بني للنصف الأعلي .. وجينز أزرق للأسفل .. وحذاء رياضي أسود .. حقيبتها السوداء تتدلي من كتفها الأيمن بينما حقيبته السوداء تتدلي من كتفه الأيسر .. ذراعها الأيسر متشابك مع ذراعه الأيمن .. الناظر من الخلف يحسبهما واحد عندما يقترب برأسه من رأسها بحجة الهمس بأذنها ليخطف قبلة .. يختاران حجرة نوم كإجراء أخير لإتمام زواج طال انتظاره .. أعجبته السوداء وأعجبتها "الروز" فأعجبته .. دفع ثمنها ورحلا معاً ..عزمته علي "البيتزا" .. جلسا في ركن المدخنين وأخبرها أن الطعام من يدها أفضل .. لم يضع أحدهما لقمة في فمه ..أطعم كل منهما الآخر واكتفي باقي رواد المطعم بمراقبة هذا المشهد الجميل ..

هكذا كان حلمه الذي بدء قبل أن ينتهي حلمها الذي سألته صبيحة اليوم التالي علي تفسيره ..

الاثنين، ١٨ فبراير ٢٠٠٨

بصمات




كأصم..لا يسمع نداءاتهم .. يشعل السيجارة في فمه بالمقلوب وينساها في يده مشتعلة قبل نومه ليحلم بأنه قابضاً علي الجمر فيستيقظ ليجد علامة أخري أضيفت لأصابعه من أثر الاحتراق ..يُهون علي ذاته بفكرة عجيبة هي أن بصماته تغيرت !! نظراته زائغة وأصابعه مرتعشة .. يتحرك كثيراً بلا هدف .. يذهب ويجيء .. يجيء ويذهب .. فقط ليتذكر لماذا جاء أو لماذا يذهب .. فيفشل .. فيذهب ليجيء ..
تزداد ذاكرته المعطوبة فساداً .. يلتهم لفافات التبغ بشراهة ولا ينتبه لعددها إلا عندما تنتهي العلبة ويبدأ في نزع الشريط الأحمر الرفيع من علي العلبة التالية ..
يحب الشتاء .. ولكن توتره الدائم هذا العام منعه من تأمله.. فقضاه إما في سرير المرض أو تحت المطر يبتهل لأجلها .. أهمل كل اهتماماته .. وغرق حتي أذنيه في دوامات عشقها اللانهائية المتداخلة مع أنها حذرته- في بداية تعارفهما- منها ونصحته أن يبتعد عنها فكان ذلك التحذير مثل الجملة التي تمر عينيه عليها في اليوم عشرات المرات مطبوعة علي صدر حاويات اللفافات المدججة بسرطان الرئة " التدخين ضار جداً بالصحة ويسبب الوفاة " ..
مزاجه المتقلب أضحي أكثر حدة .. فحيناً يرقص طرباً بلا سبب وحيناً يشعر بالأغنيات الراقصة كنعيق البوم علي خلفية موكب جنائزي .. تلعب النسبية لعبتها فتتباطأ طبولها في أذنه لتضحى كمدقات مطارق النهاية بعد موت بطل الأسطورة الأسطوري .. القهوة فقدت بريقها من علي لسانه والسجائر ترغب في تحويل علاقتها الحميمة معه إلي زمالة دراسة مملة أو جيرة بغيضة .. عندما يضحك يضحك بمبالغة شديدة حتي تتشنج عروق رقبته علي مالا يُضحك لتلك الدرجة .. يجلس بالساعات بلا أدني حركة ..يُسند رأسه علي يده..سبابته مفرودة علي جبهته ..إبهامه أمام أذنه ..باقي الأصابع في شبه انغلاق .. ليقفز كأرشميدس .. وبدلاً من قانون الطفو يطلق "وجدتها" علي مطلع قصيدة تافهة .. وضع لنفسه تقويماً مختلفاً عن باقي البشر .. كسماء ليلة مظلمة .. لا تستطيع التفرقة بين –أيامه- البقع السوداء التي تكونه حيث يقضيها كمتشرد.. الأيام التي يراها بها تمثل نجومه اللامعة فيكون كالعروس ليلة زفافها ..
يقترض مني كثيراً ولا يمل تكرار سؤاله لي عن عمل .. لم يكن المال في حساباته قبل أن يعرفها وعندما أتعجب من تبدل حاله يقول " أتسمي هذا مالاً ؟؟ أريد أن أشتري لها العالم إن كان ذلك سيسعدها .. لكن ذلك يحتاج مالاً حقيقياً .. مالاً كثيراً ..أنت لا تفهم شيئاً .. هل وجدت لي عملاً..؟؟"
عندما أحاول أن أنصحه لا يستمع إليّ .. يسبّني ويرحل .. يظهر لي بعدها بأيام كأن شيئاً لم يحدث ..
لك الله ..صديقي العاشق..

الثلاثاء، ٥ فبراير ٢٠٠٨

هو ليس مديحاً ...ولكن...


القلب-عضوياً- من الأعضاء صاحبة الخلايا غير المتجددة ..أي أن خلاياه الهالكة لا تعاود النمو.. لا تعوض .. وتقوم باقي الخلايا بالمهام ..حتي إشعار آخر..
القلب –معنوياً- هو ذلك التشابك من المشاعر والأحاسيس التي تركض في كل اتجاه بمختلف أشكال العلاقات بحثاً عن معني مجرد ..عن الجمال ..
فقدان الإحساس بالجمال هو تداخل عنيف بين مفهومي القلب عضوياً ومعنوياً يؤدي لموت عدد كبير من خلايا عضلة القلب ..والتي–بالطبع-لا يمكن تعويضها..
وعندما يتجسد الجمال في كلمات ..تصمت كل الأقلام .. وتنصت لسيدة ينابيع الإبداع ..


تلك الكاتبة الاستثنائية تلهو بالقلم –كهاوية-برشاقة بالغة فتحيله إلي باليرينة تنساب حركاتها بخفة ونعومة وانسجام علي الورق .. فتنساب الكلمات علي عينيك كحورية ..علي أذنك كترنيمة فردوسية مقدسة..علي قلبك كلقاء حبيب .. طال انتظاره..
تعزف هذه المبدعة المتفردة مقطوعات شرقية وسيمفونيات غربية.. ترسم لوحات تعبيرية بديعة التفاصيل .. وتنحت التماثيل –الكتابية- بدقة تجعل الواقع يلهث خلفها .. في سباق المحاكاة ...

عندما تُقسم فهي تقسم بكرم يديها الدافئتين .. ولا عجب .. فهذان الكفان الرقيقان ملك لإمبراطورة المشاعر والمعاني والأخيلة والأحاسيس ..

تشعر أحياناً بأنها بلا أدني هوية.. وكيف لا يراودها ذلك الشعور .. وهي مخالطة لبشر عاديين ..بشر هذا الزمان المشوه الذي أضفي تشوهه علي مخلوقاته فأضحوا وحوشاً تنهش مؤخرات بعضها البعض .. بينما هي ..تنبض بالحب لكل محيطها الخارجي الغادر....!!

لم يقال عبثاً أن الإبداع يولد من رحم المعاناة ..ولذلك فمن خط حبر قلمها هذه الكلمات" تحاول معه النهوض عن الأرضية التي كادت تلتصق بها ، متهالكةٌ تماماً روحها ... يسري الألم منها إلى نخاع عظامها فأطراف أطراف أعصاب حسها ككتيبة نمل أحمر صغير نظَم السير تحت جلدها الرقيق ... لتؤكد لدغاته ضعفها اللانهائي"
لا يصح إلا أن تكون روح شفيفة.. هائمة حولنا جميعاً .. تنفحنا كل حين بعطاياها السخية .. ننتمي إليها بكليتنا ..حيث ننتمي .. للجمال الصافي المجرد

"استوعبت جيداً أنه الواقع الذي لابد أن يواقع ، ومادامت تحيا بشهادة أنفاسها المترددة ونبضاتها المتسارعة فلا بد وأن تستذكر دروسها جيداً حتى درسها الأخير ... تحسباً لاختبارات مدرسة الحياة ،، مباغتة تأتي هي ،، محيرة ،، يأتي تاليها أكثر تعقيداً من سابقها"
وارد أن تُعجب بكتابة كاتب..أن تحب نصوصه..أن تستمتع بكلماته .. لكن أن تعشقها ..أن تقع في هواها ..فهذا هو الاختلاف ..فنصوص نورسين تجعلك تهيم بها ..تقرأها مرة واثنتين وثلاثة ..فلا تشبع..قد تدرك المعني المقصود والمغزى المختفي .. وتعبر كل مستويات القراءة..لكنك لا تستطيع الكف عن التهام تلك الوجبة الشهية لكلمات تنبض بسر الغواية ..فتوهمك بالاكتفاء والارتواء ... وما أن تغادرها ..حتي تهفو روحك العطشى....إلي المزيد..

"أكره شعوري باللاشعور ،أمقت هواياتي التي لم أهتويها "
باختصار ..هي كاتبة تكتب بالإحساس.. تكتب بعصب عارٍ لا بقلم مصمت.. ولذلك فمن الطبيعي أن يكون انعدام الشعور لها موات .. وما لم تهتويه بالطبع لم تشعر به .. فهي تقف في فناء الكتابة كراقص تنورة .. تدور وتدور .. لتمتع القاريء بألوانها الطيفية السبعة ..وقبل أن تختلط في عينه الألوان بلحظة.. يصبح متوحداً مع ألمها ..أسيراً لكلماتها .. فيغرق في محيط إبداعها ..ولا يطلب إنقاذاً..


"بنفسي خرجت من شرنقتي وملأت غرفتي ضياءاً،، لأرى ابتسامة الرضا بمرآتي، لأسدل شعري بظهري ويسري الدفء بأناملي وأتنفس أنقى أنفاسي"
تجلس المرادفات والأخيلة والمعاني والصفات والأساليب علي مقاعدها .. كل حواسها موجهة لمنتصف المسرح تماماً ..حيث تقف هي كمايسترو .. وبدلاً من العصاة السوداء الخشبية الرفيعة .. تحمل شرائط حريرية بيضاء طويلة .. أتت بها من عالمها الآخر .. لا ليست طويلة .. فالطول نصف به ما يمكن أن يقاس .. إنما كانت هذه الشرائط لانهائية الطول .. آتية من آبار الإحساس الصادق العميق .. وتبدأ المقطوعة ....


"تتمزق الصغيرة .. تتألم .. تشتاق ..تحاول الهدوء .. تحاول الاتزان"
علي سطح تلك البناية العتيقة .. وتحت شمس هادئة ونسمات عليلة .. تحمل مغزلها .. وتغزل ببطء وإحكام وعناية.. الحرف بجوار الحرف .. والكلمة قبل الكلمة .. والجملة تحتضن الجملة .. ثم تُعشِق الفقرة في الفقرة كالأرابيسك .. ثم تضفي لهيب مشاعرها .. مع قطرات من ألمها المركز المشوب بأنات روحها الجميلة ..فيخرج النص من بين يديها كقطعة خزفية بديعة .. فيتشرب من يقرأ بدفقة الإحساس التي تنتقل إليه كاملة ..ليواصل حياته ..بصورة أفضل ..


أستمر في القراءة لتلك الكاتبة الرائعة لإحساسي بأن "لي حق بالحياة لابد وأن أحافظ عليه" ..ألا وهو حق الاستمتاع بالجمال .. وأي عائق يقف في سبيل ذلك لن يكون إلا "صفر..شيء يملأ اللاشيء"..


هي سندريلا الكلمات بلا منازع ..هي ..نورسين ..


ملحوظة:السطور بالأزرق من كلمات الكاتبة.

السبت، ٢٦ يناير ٢٠٠٨

مآرب المشارب



خمر:


شربنا في تلك الليلة كما لم نشرب من قبل ،وبينما نحن سائران بشوارع وسط البلد نحو سيارته السوداء الفارهة.. دخلت أفكارنا السباق ..ولكن في نفس الفريق !!
تجسدت خيالاتنا ..طرحت أنا الفكرة..فأضاف عليها .. فنفخت فيها لتتضخم .. أضاءها .. فألبستها من أبيضي وأسودي .. فلونها .. قلّمت أظافرها .. فأغدق عليها من مباهج الزينة ، ككرة الثلج الهابطة .. أخذت روحانا تدعم جنوننا .. وبالتدريج لم نعد نسمع إلا أصواتنا .. لم نعد نميز أين نسير وإلي أين .. ومع كل تعديل أو إضافة أو كلمة ننطقها في نفس اللحظة تنطلق ضحكاتنا لتكسر حاجز الصمت الوهمي الذي صنعه اندماجنا .. كان يضحك حتي يعجز عن الكلام أو التنفس .. ويبدأ في سعال لا ينتهي إلا بمزحة يطلقها ليغرق في القهقهة من جديد .. وقفت .. وقف أمامي وكأننا متفقان سلفاً علي ما سيحدث.. بدأ في خلع حذائه وأتبعه بقطعة قطعة من بذلته الأنيقة .. ولما أتم الخلع نظر إليّ ليقرأ تلك النظرة التي كان ينتظرها والتي تُردد بلا تَردد جملة " أعلم أنك قادر علي فعلها" .. فينزل من علي الرصيف وفي منتصف الشارع تماماً ينظر برأسه إلي الأعلي .. يرفع يمناه بتشنّج إلي أقصي ما تستطيع أن تبلغ .. ويسراه منفرجة الأصابع مفرودة بجانبه تصنع مع جسده زاوية حادة ضيقة كتمثال قديم في أحد ميادين روما .. رفع كعبيه من علي الأسفلت .. ضغط جفنيه بقوة وتفصد العرق من جبهته .. "جزّ" علي أسنانه حتي كادت عروق رقبته تقفز لتقف بجانبه كأبنائه .. فتح فمه علي اتساعه حتي كاد فكّه السفلي أن ينخلع وأطلق صرخته: "أناااااااااااااااااااااااااااااااااااااا"
.. بابتسامة لا تفارقني كنت أراقب المشهد .. ولكني لم ألاحظ تلك السيارة القادمة نحوه في سرعة جنونية..كما-بالطبع- لم ألاحظ أن الكرسي خلف عجلة قيادتها ..كان خالياً.....!!


عصير:


واقفاً نفس وقفته لكن ملامحه كانت أكثر هدوءاً.. كان يقطف ثمرة مانجو من فرع أعلي من طوله بقليل.. كان مرتدياً-كما كنت أرتدي- فراء شاه لستر العورة .. قرص الشمس الأحمر المكتمل هو الخلفية المناسبة لمشهد بدائي كهذا.. واقفاً نفس وقفتي كنت.. وكان أمامي جزعاً لشجرة ..مثبت في الأرض بجذور يؤكد عمقها اتساع القطاع العرضي للجذع وعدد دوائره الكبير .. كان الجذع يصل لمستوي بطني وفوقه كنت أشعل ناراً أطهو عليها .. قطف الثمرة.. وبينما هو قادم نحوي متكئاً علي حربته المثبت في طرفها الأعلي ناب أيسر لفيل أفريقي كان ينظر إليها بشهوة بالغة .. سال الزبد من شدقيه واحمرت عيناه وتطاير منهما الشرر.. الخليط الذي أقلّبه في القدر النحاسي يفور ولا ينقصه سوي تلك الثمرة .. بعد تردد طويل ناولني إياها .. وبعد أول رشفة من العصير جري بأقصى سرعته .. وقف علي حافة الهاوية التي تفصل بين الجبل الذي نسكن قمته والذي يليه .. سحب شهيقاً كبيراً ملأ به رئتيه .. وقفز ..هل كنت مخطئاً إذن عندما أذقته عصيراً من المانجو..مختلطاً بدماء ضحاياه..؟؟


حساء:


أصاب التطور الموقد البدائي والقدر النحاسي وأصبحت أنا في مطبخ حديث أعد الحساء .. كانت هي واقفة تستند بكتفها الأيمن علي الحائط .. عاقدة ساعديها وتنظر إلي بشغف وشوق ورغبة حتي أني كنت أشعر بعينيها كمغناطيس قوي .. فأقاوم جسدي الذي بدأ يميل ناحيتها بفعل الإيحاء .. كنت أتكلم وأتكلم وأتكلم .. أتقافز بين الموضوعات بخفة ورشاقة فهد..من الطعام إلي السينما إلي الرياضة صعوداً إلي الأدب وهبوطاً إلي موضة هذا العام وأخبار الوسط الفني .. كانت -ظاهرياً- تنصت بكل جوارحها وإن كانت نظرتها تنفي ذلك .. تراقب انفعالاتي .. وكأنها تريد حفري في مخيلتها كنقش فرعوني.. لم يكن عقلها دائراً بعيداً عني فلم تكن سارحة وإنما كانت شديدة التركيز فيما ترغب هي التركيز فيه.. نطقت بعد صمت طويل " تفتكر في واحدة تقدر تقاوم واحد بيطبخ حلو زيك كده ؟؟" قلت " جايز " .. عقدت حاجبيها وضمت شفتيها كحبة كرز .. تتضايق من أن كل إجاباتي مفتوحة ..لا أعطي رأياً حاسماً .. نادراً ما أقطع بالرفض أو القبول لرأي ما .. بدأت الرائحة الذكية للتوابل الهندية والدمشقية تتصاعد .. أغمضت عينيها .. وأصدرت صوتاً يدل علي الاستمتاع والتلذذ دون أن تفتح شفتيها "اممممممممم" .. كنا نريد لليوم أن يمر عادياً بلا أدني إشارة أنه لقاؤنا الأخير .. لا أحب الوداع .. وأريد أن تكون ذكراي الأخيرة لديها هادئة .. ولكن هاتفاً جاءها –وأصررت أن تجيبه أمامي-من الذي ستزف إليه بعد أيام قلائل قلب كل الموازين.. وبتتابع مذهل للأحداث تشاجرنا.. صرخنا .. تعاركنا بالأيدي والأرجل .. ذبنا في عناق طويل نلعق جراحنا.. بلل كل منّا كتف الأخر بدمعاته الساخنة.. ارتدينا ملابسنا .. اتجهنا لبرج القاهرة..قررنا الانتحار .. ومن أعلي البرج .. اندمجنا في قبلة أخيرة .. 1..2..3..قفزت أنا.. ولم تقفز هي .. ظلت تنظر إليّ من أعلي .. وفي منتصف المسافة .. وجدته يواصل هبوطه من الجبل ..كان نصفه الأعلي الأملس عارياً .. مرتدياً بنطالاً قماشياً أسوداً وحذاءاً شديد اللمعان .. ما أن رآني حتي صاح "أنا لم أ......." .. وقطع جملته صوت الارتطام البشع -علي الأرضية الزجاجية التي لم تتحطم- ..لكلينا...


تبغ:


دعوني أعدّل قليلاً من الصورة السابقة .. بدلاً من أرضية زجاجية و رجلان نائمان عليها .. سأثبتها من عند أقدامهما وأرفع من الجهة الأخري.. نعم ..بالظبط هكذا .. سأرفع تلك الأرضية الزجاجية لأعلي من المستوي الأفقي للمستوي الرأسي حتي تصير جداراً رأسياً – واجهة بمعني أصح- وهما معها.. واقفان يدخنان بشراهة ويشعلان اللفافة من سابقتها وكأنهما يتنفسان النيكوتين .. البشر يجيئون ويذهبون وهما واقفان .. يتحدثان ولا ينظران لبعضهما البعض .. أعينهما مثبتة علي ذلك "المانيكان" خلف الواجهة الزجاجية .. كان مثبتاً في الأعلي تحت السقف مباشرة .. علي هيئة امرأة تتدلي من شرفة وكأنها تتابع هدفاً ما بالأسفل .. قال الأول ذو البذلة الأنيقة والحذاء اللامع :"مذهل" ..فرد الثاني –وكان شعره طويلاً وذقنه غير حليقه مرتدياً بنطالاً من الجينز ومعطف جلدي وكوفية ملونة كما يليق بشاعر صعلوك-:"مُلهم" ..فرد الأول : "فعلاً" وأضاف " تُري لمن تنظر ..؟؟" فأجاب الثاني :" المهم هل من تنظر إليه..ينظر إليها ..؟؟!!" ..شعر الأول بالبرد فاستخدم نظرية الإسقاط وسأل الثاني :"بردان..؟؟" .. فمنع غرور الثاني لسانه من النطق بالإيجاب :"يعني" .. و واصلا التأمل...


خمر:


نفذت سجائري .. وبدأت أضيق من هذا الرفيق قليل الكلام .. و شدة شعوري بالبرد تجعلني لا أستطيع التحرك لأحضر معطفاً من سيارتي أرتديه فوق تلك البذلة ..سألني :" تيجي نتدفي" ..أجبت في سرعة :" ياريت..بس ازاي ؟؟" .. فعدّل من وضع "كوفيته" علي رقبته وقال " ماتيجى نشرب ازازتين بيرة " .. فلم أشأ أن أخبره أني لم أفعلها من قبل.. فوافقت ..اقترح أن نذهب مشياً علي الأقدام لأن الحانة قريبة وقد لا نجد مكاناً أمامها لنضع السيارة .. ذهبت معه..جلسنا متقابلين علي منضدة مربعة صغيرة .. وعندما جاءت النادلة بالخمر .. نظرت إليها لأشكرها عندما ترقرق صوتها الجميل في أذني بجملة "أي أوامر تانية يافندم" ..حدقت بوجهها طويلاً .. فارتبكت .. أعطتنا ظهرها ورحلت ...وقبل أن أكمل سؤالي :" أليست تشبه ......؟؟" ملأتني الدهشة .. مَن هذا الجالس أمامي .. ؟؟ ..لأول مرة أري هذا الوجه الغريب .. فقربت رأسي منه حتي لا يسمعني أحد رواد الحانة وسألته وعقلي علي حافة الجنون :"من أنت..؟؟" فقال وهو يرمقني بنظرة جانبية و يرفع الزجاجة علي فمه-برغم وجود كؤوس- :"اشرب..اشرب"......فشربت.......


ماء:


نسرين لا تكذب أبداً ..لكن كيف أصدقها هذه المرة..!!
مشيت عبر المناضد تجاه البار..فتحت باب المخزن الصغير وأغلقته خلفي.. أخذت زجاجة الماء الصغيرة من الثلاجة الصغيرة وشربتها حتي آخرها .. أشرب ماءاً كثيراً عندما أكون متوترة .. ما معني أن أري هذا الشخص الذي يحدق بوجهي في حلمي ليلة أمس .. يضغط بقوة يديه علي رقبتي حتي كادت روحي أن تُزهق .. وعندما حاول الثاني-الجالس معه الآن-تخليصي قتله علي الفور ..ثم أجدهما في اليوم التالي جالسين معاً في الحانة التي أعمل بها ؟؟.. لابد أن كارثة ما ستقع ..سأهرب من قدري إذن ..سأدعي المرض وأغادر المكان..ما إن فتحت باب المخزن حتي وجدت نسرين-زميلتي – أمامي فسألتها: " شايفه الاتنين اللي علي ترابيزة خمسة..شكلهم مريب مش كده ..؟؟ " فردت في اندهاش : " سلامة عقلك يا حبيبتي ..ترابيزة خمسة فاضية .. ماهو حاجة م الاتنين .. يا إما نظرك بقا شيش بيش .. يا إما مخك بقا في المهلبية يا مهلبية " ..ثم قرصتني في ذراعي وضحكت ضحكة رقيعة وغادرتني-وهي تمشي مشية ال"cat walk " -لتواصل عملها ..
نسرين لا تكذب أبداً ..لكن كيف أصدقها هذه المرة..!!

الثلاثاء، ٢٢ يناير ٢٠٠٨

وقائع الدقائق قبل الأخيرة لصلب مريم الثامنة


سيدتي ومولاتي وملاذي .. لم يتبق الكثير علي يوم الصلب العظيم ..دعينى إذن أهذي وأهلوس من أثر خمرك المقدس الذي أتلف خلايا عقلي بالكامل وبرغم ذلك مازالت أركض بين أمواجه طمعاً في الوصول لثمالة الثمالة والتي أعلم يقيناً أنها لن تأتي أبداً..دعينى أخرف و أهرطق حتي حلول تلك اللحظة الدامية التي ستغادر فيها روحك الأبدية جسدك الذي تتعاظم طهارته بازدياد قدرته علي العطاء ..دعينى أذوب احتراقاً وفوراناً وغلياناً في محرابك النوراني كبركان كسول..أمارس صلاتي الأخيرة علي طريقتي ..أجري في مكاني كالمحموم ..أتمرمرغ في تراب الأرض كما يليق بممسوس.. أصنع من ذراته قصوراً وهمية أحشوها بأثاث من جزيئات الهواء ثم أعرق حتي أغرق فأغمرها بطوفاني.. وفي أقل من لحظة ينتهي كل شيء.. ليبدأ من جديد..



سيدتي ومولاتي وملاذي.. اتركي بصماتك الشريفة في كل البقع الممكنة .. المسي الكون من أعلي ..مرري أناملك الرهيفة علي الأرض .. احتضني هذا الكوكب المتألم بقوة ..اضغطيه بين نهديك واضغطيني.. اضغطي علي كل موقع بجسدي الملتهب .. دلّكي مفاصلي المتعبة و اخترقي بأصابعك غاباتي ..اعبثي كالريح في اتجاهات أوراق أشجارها ..فككي ضفائر أسراري وبعثري أكواد طلاسمي .. احرقي جلدي..شوهي وجهي .. اجدعي أنفي و اقطعي صيوان أذني اليمني و دعي اليسري لأسمع بها صراخ عذابي ولذتي اللاإرادي .. امسحي ذاكرتي واصهريني في ذاكرتك الكلية كرقم مهمل أخر يضاف لطابور عشاقك الملياري ..



سيدتي ومولاتي وملاذي.. لا تتركي شبراً بلا أثر منكِ .. أنثري دبابيسك وأزرارك وأساورك وخواتمك وشرائط شعرك كالمطر المنهمر .. فرقي حروفك علي أطفالك المساكين .. اطبعي القبلات علي أجبنة المجاذيب .. اسبحي بكل الأنهار والبحار والمحيطات و وزعي خطواتكِ –بالتساوي- علي كل الصحاري والأودية والطرق المعبّدة .. اسكبي-كالشهد المُصفي- نصائحك السحرية وتعاويذكِ المصطفاة في آذان الفتيات الغافلات ..ازرعي الحب في قلوبهن المُديرة وجوهها عن حياة الحق..وعن حق الحياة .. ولا تحرمي العاشقين عطاياكِ المشتهاة ..ولكن أبداً لا تتعري أمام أحدهم ..أيرضيكِ أن تبور كل نساء الأرض..؟؟ وأن يسمل الرجال أعينهم بأيديهم بعدما تغيبين ولا تعطي تاريخاً لمعاودة الوصال..؟؟



سيدتي ومولاتي وملاذي.. جودي بأي شيء علي المتمسحين بتلابيب أرديتك أثناء صعودك بهدوء وثقة لتنفيذ الحكم النافذ بقلبي كحسام مخضل مهند يخرج ليعاود الدخول- مخترقاً لحمي- كبندول أبدي.. جودي عليهم برذاذ سعالك فينعشهم صيفاً ويدفئهم شتاءاً.. بأطراف من قصاصات أظافرك يحفظونها في صناديق صدفية علي وسائد مخملية كماسات نادرة .. بمخاطك الطاهر يغتسلون بين حناياه مرة فلا يمرضون بعدها أبداً.. بلعابك اللذيذ اللاذع كثمرة تامة النضج لفاكهة استوائية .. بشمع أذنك الياسميني المتعطر .. بشعرة من ليل رأسك الذي سيخيم بغيابك ولن ينقشع .. برمش خنجري يتصارعون عليه ويتقاتلون حتي يفنون علي بكرة أبيهم فينقطع ذكرهم و يتحولون للعنات طائشة تتفرق بين النفوس ليستمر نسل الخائنات وأغنياء الحروب..!! ..



سيدتي ومولاتي وملاذي .. أما أنا ..فأطمع في الدقيقة قبل الأخيرة .. ولا تنخدعي بقناعتي .. فما لا تعلمينه أني سأوقف الزمن .. لا تسخري مني .. نعم سأفعلها .. لا تقولي أنه مستحيل لا ترددي تلك الخرافة.. المستحيل نحن من نصنعه ونحن أول من يقدر علي هدمه .. هي مسألة تحكم عقلي ليس أكثر .. سأستنفر كل مجهودات سنيني ..سأستحضر كل لحظة أصابني بها نعاس أو خمول أو دعة .. سأنظم جيشاً من اللحظات و قطرات العرق و الرغبات المكبوتة و التفاصيل الصغيرة .. ها أنا قد فعلتها .. أترين .. كل البشر مثبتون علي أوضاعهم.. الطيور معلقة في السماء .. اللبؤات نائمة في عرائنها بعين مغلقة وأخري مفتوحة علي الأشبال الصغار .. وهل ترين تلك البنت الواقفة علي أطراف أصابعها تمد يدها ناحية الولد الواقف علي أطراف أصابعه يمد يده في الشرفة المقابلة .. يالهما من محظوظان..لقد أوقفت الزمن في لحظة التلامس ..!! .. لا يجب أن نضيع الوقت في التأمل فقدراتي أقل من أن يستمر هذا الوضع طويلاً .. هيا .. دعينا نرتكب كل ذنب ونقترف كل إثم .. انفلتي من مداراتك واهبطي من فوق سحاباتك ..اتركي الشمس من يمينك والقمر من يسارك .. وتهادي علي سجادتي الإيرانية الحمراء .. لعل خلية من خلايا باطن قدمك تتحاب مع خلية من نسيجها يدوي الصنع فيتزاوجان ..لينتج عن تكاثرهم مخلوقاً ظاهره الخشونة فلا تصنع بوجهه أنياب وحوافر ومخالب الزمن أي خدوش واضحة ..



سيدتي ومولاتي وملاذي.. أرجوكِ لا تقفي هكذا تنظرين إلي وتبتسمين .. قاربت قوتي علي النفاذ وسيعود الزمن لجريانه ..هيا..افتحي ثغرك الفتّان وابلعيني .. سربيني عبر مسامكِ لأستقر تحت جلدك المرمري الدافيء.. اشطريني-أنا المتوحد في هواكِ المتسربل بعطفك وفضلك وإحسانك- واستخدميني كحمالة صدر ..لأظل ملتصقاً بنهديك السنجابين ناعمي الفراء.. أعب بنهم من عذب الجدولين الرقراقين كصائم محروم منذ سنوات.. ولن أشكو أبداً من زمجرة الزلزالين.. من غضب الفيضانين ..أو من هياج الإعصارين.. افتحي يدك .. خذي.. هذا سكيني الحاد المفضل .. قطعيني قطعاً بالغة الصغر والتهميني بتؤدة واستشعري طعم خلاياي ..لأكون عشاؤكِ الأخير ..نامي علي فراشي .. تمسحي بأغطيته حتي أموت عليه فأبعث علي حالي ..ميتاً بجنة .. مبعوثاً بجنة .. فتخجل الملائكة من ادراجي بكشوف الحساب ..وكأمير للعاشقين ..كشهيد مرفوع عنه القلم –شهيدكِ-أخلّد بجنة ..



سيدتي ومولاتي وملاذي.. كمنزل قديم أكل النمل الأبيض أعمدته..انهرت بعد أن خارت قواي.. قهرني الزمن بعنفوانه السرمدي وجري بسرعة أكبر ليعوض ما فاته .. أراكِ تبتسمين بحنان ليس له مثيل لمن يسوقوكِ للصليب الخشبي الراسخ .. أري جلودهم تقع ودماؤهم تنزف من أعينهم وأنت تزيدين من سحر النظرة فيتضاعف العذاب .. ما أراه هو تجسيد للندم مقابل الألم .. ندمهم الذي لن يذوقوا بعده راحة.. مقابل ألمك ..ألمك الذي تتعاملين معه باستهانة كتعاملك مع شعرة بيضاء ضلت طريقها لمفرق شعرك النهري المنسدل علي هضبتي كتفيكِ الأملستين .. لك كل الحق ملكتي.. فماذا سيكون هذا الألم مقابل ما تجرعتِ من غصات محرقة وما تناولتِ من سموم موجعة لم تزدكِ إلا طهراً ونقاءاً واتساعاً في الابتسام..لم تقاومي إلا بحبس الدمعات فانهمرت بداخلك لتغسلك.. ابتسمي إذن وتقدمي مادمتِ قد اتخذتِ قراركِ بالاستسلام الأخير .. ابتسمي وتقدمي وسأرجوهم وأتوسل إليهم الرفق في دق المسامير بمعصميك وقدميك.. كل دقة بكل مطرقة علي كل مسمار تنغرس بقسوة وعنف في قلبي .. رحماه يا ربي .. هاهم يصعدون إليك بإكليل الشوك .. لا تتحاملي عليهم أو تتهميهم بالخيانة .. فالأيدي التي غزلت إكليل الشوك أطهر وأشرف وأنبل من الأيدي الوضيعة الدنسة التي تقطر خسة وحقارة التي أوصلتكِ لهذا المقام المهيب .. حتي هؤلاء أعلم أنكِ لن تغضبي منهم ولن تبغضيهم –فأنتِ أسمى من ذلك- دعيهم إذن في طغيانهم يعمهون .. فهم لا يعلمون إلي أي منقلب ..سينقلبون ..



سيدتي ومولاتي وملاذي.. مصلوبة أنتِ علي تلك الربوة .. و الكل ساجدين من هول ما رأوا .. دائرة بشرية عظيمة .. محاطة بدائرة حيوانية .. تليها أخري من الجن ثم تغلق الأشجار الدائرة .. المشهد بالكامل مسقوف بأعداد هائلة من الطيور التي توقفت عن الرفرفة وفردت أجنحتها ليحملها الهواء.. الكل ينتحب في صمت .. وقف القمر أمام الشمس فحجب ضوئها باستثناء هلالاً ضوئياً رفيعاً .. سكن الجميع إلاي.. واقفاً أما الربوة .. رافعاً يمناي لأعلي قابضاً علي تلك الصرة القطيفية الخضراء الكبيرة .. لم ينتبه إلي أحد إلاكِ.. أنزلت يدي ومددت الأخري لأقبض علي رأس ذلك الثعبان بالداخل .. كم هي زجاجية الملمس تلك القشرات المصقولة التي تغطيه.. أخرجته بالكامل .. أنزلت أناملي من رأسه لعنقه لأسمح له بفتح فمه علي اتساعه .. أظهر أنيابه المسنونة اللامعة .. بيسراي أقبض بحنان علي رقبته لألا يختنق .. ويمناي تعصر أعلي ذيله لأزيد هياجه ورغبته في الافتراس ..أثبتُ اللهيب المتقد من بين جفوني عليكِ ..فتزرعين الطريق بيننا بالسندس والإستبرق ..أقربه بهدوء .. فحيحه لا يملؤني إلا طمأنينة .. أقربه بهدوء..عيناه تلتمعان ببريق مخيف لا يردعني ..أقربه بهدوء و قبل الملامسة بشعرة أسدل جفني..أضم شفتي..أرسل لكِ قبلة في الهواء .. سامحيني مولاتى ..لم أفعلها انتحاراً.. فعلتها فقط ..رغبة في الوصول ..



سيدتي ومولاتي وملاذي..
تنغرس الأنياب..
يسري السم..
أنتهي .....