الأحد، ٢٤ فبراير ٢٠٠٨

حلمان لشخصين في شخص


" اسمحي لنفسك أن تحبيني أولاً..أن تصهري كل قواكِ وطاقاتكِ في بوتقتي .. كي تستطيعي رؤيتي كهدف يستحق التضحية من أجله" ..

هكذا قال لها عندما جاءها في منامها الذي آوت إليه مسرعة كي تكون صورته هي آخر ما تري قبل غفوتها..وذلك بعد أن ودعها من تحت شباكها متمنياً أن توقفه بعدما أعطاها ظهره ورحل لتنزل مسرعة وتقفز بين ذراعيه .. تلتهم شفتيه التهاماً .. يعصر ذراعيها الطريين من فرط الشوق.. يحكم ذراعيه أعلي خصرها و لا يفُلت شفتيها من بين شفتيه إلا لكي يضمها إليه بقوة وكأنها يريد مزجها معه .. وكأنه يريد إدخالها بداخله كي تكون أحلامها أحلامه ..كي يحميها من كل شيء .. من البرودة التي تستجيب لها كطفلة .. من الزمن الذي يتعامل معها كجلاد .. من البشر الذين ينظروا إليها كبشر .. وما أقسي تلك النظرة وأحقرها.. !! يقبّل ظهر كفيها ويريح وجهه بين باطنيهما الدافئين .. فيصيبها ملمس ذقنه غير الحليقة برعشة لذة ويبعث بداخلها حرارة شهوة .. يفيق من حلم يقظته أثر تعثره علي الطريق الذي لم يذق طعم الأسفلت ..
واقفان أمام معرض للأثاث .. يتماثلان في الملابس .. بني للنصف الأعلي .. وجينز أزرق للأسفل .. وحذاء رياضي أسود .. حقيبتها السوداء تتدلي من كتفها الأيمن بينما حقيبته السوداء تتدلي من كتفه الأيسر .. ذراعها الأيسر متشابك مع ذراعه الأيمن .. الناظر من الخلف يحسبهما واحد عندما يقترب برأسه من رأسها بحجة الهمس بأذنها ليخطف قبلة .. يختاران حجرة نوم كإجراء أخير لإتمام زواج طال انتظاره .. أعجبته السوداء وأعجبتها "الروز" فأعجبته .. دفع ثمنها ورحلا معاً ..عزمته علي "البيتزا" .. جلسا في ركن المدخنين وأخبرها أن الطعام من يدها أفضل .. لم يضع أحدهما لقمة في فمه ..أطعم كل منهما الآخر واكتفي باقي رواد المطعم بمراقبة هذا المشهد الجميل ..

هكذا كان حلمه الذي بدء قبل أن ينتهي حلمها الذي سألته صبيحة اليوم التالي علي تفسيره ..

الاثنين، ١٨ فبراير ٢٠٠٨

بصمات




كأصم..لا يسمع نداءاتهم .. يشعل السيجارة في فمه بالمقلوب وينساها في يده مشتعلة قبل نومه ليحلم بأنه قابضاً علي الجمر فيستيقظ ليجد علامة أخري أضيفت لأصابعه من أثر الاحتراق ..يُهون علي ذاته بفكرة عجيبة هي أن بصماته تغيرت !! نظراته زائغة وأصابعه مرتعشة .. يتحرك كثيراً بلا هدف .. يذهب ويجيء .. يجيء ويذهب .. فقط ليتذكر لماذا جاء أو لماذا يذهب .. فيفشل .. فيذهب ليجيء ..
تزداد ذاكرته المعطوبة فساداً .. يلتهم لفافات التبغ بشراهة ولا ينتبه لعددها إلا عندما تنتهي العلبة ويبدأ في نزع الشريط الأحمر الرفيع من علي العلبة التالية ..
يحب الشتاء .. ولكن توتره الدائم هذا العام منعه من تأمله.. فقضاه إما في سرير المرض أو تحت المطر يبتهل لأجلها .. أهمل كل اهتماماته .. وغرق حتي أذنيه في دوامات عشقها اللانهائية المتداخلة مع أنها حذرته- في بداية تعارفهما- منها ونصحته أن يبتعد عنها فكان ذلك التحذير مثل الجملة التي تمر عينيه عليها في اليوم عشرات المرات مطبوعة علي صدر حاويات اللفافات المدججة بسرطان الرئة " التدخين ضار جداً بالصحة ويسبب الوفاة " ..
مزاجه المتقلب أضحي أكثر حدة .. فحيناً يرقص طرباً بلا سبب وحيناً يشعر بالأغنيات الراقصة كنعيق البوم علي خلفية موكب جنائزي .. تلعب النسبية لعبتها فتتباطأ طبولها في أذنه لتضحى كمدقات مطارق النهاية بعد موت بطل الأسطورة الأسطوري .. القهوة فقدت بريقها من علي لسانه والسجائر ترغب في تحويل علاقتها الحميمة معه إلي زمالة دراسة مملة أو جيرة بغيضة .. عندما يضحك يضحك بمبالغة شديدة حتي تتشنج عروق رقبته علي مالا يُضحك لتلك الدرجة .. يجلس بالساعات بلا أدني حركة ..يُسند رأسه علي يده..سبابته مفرودة علي جبهته ..إبهامه أمام أذنه ..باقي الأصابع في شبه انغلاق .. ليقفز كأرشميدس .. وبدلاً من قانون الطفو يطلق "وجدتها" علي مطلع قصيدة تافهة .. وضع لنفسه تقويماً مختلفاً عن باقي البشر .. كسماء ليلة مظلمة .. لا تستطيع التفرقة بين –أيامه- البقع السوداء التي تكونه حيث يقضيها كمتشرد.. الأيام التي يراها بها تمثل نجومه اللامعة فيكون كالعروس ليلة زفافها ..
يقترض مني كثيراً ولا يمل تكرار سؤاله لي عن عمل .. لم يكن المال في حساباته قبل أن يعرفها وعندما أتعجب من تبدل حاله يقول " أتسمي هذا مالاً ؟؟ أريد أن أشتري لها العالم إن كان ذلك سيسعدها .. لكن ذلك يحتاج مالاً حقيقياً .. مالاً كثيراً ..أنت لا تفهم شيئاً .. هل وجدت لي عملاً..؟؟"
عندما أحاول أن أنصحه لا يستمع إليّ .. يسبّني ويرحل .. يظهر لي بعدها بأيام كأن شيئاً لم يحدث ..
لك الله ..صديقي العاشق..

الثلاثاء، ٥ فبراير ٢٠٠٨

هو ليس مديحاً ...ولكن...


القلب-عضوياً- من الأعضاء صاحبة الخلايا غير المتجددة ..أي أن خلاياه الهالكة لا تعاود النمو.. لا تعوض .. وتقوم باقي الخلايا بالمهام ..حتي إشعار آخر..
القلب –معنوياً- هو ذلك التشابك من المشاعر والأحاسيس التي تركض في كل اتجاه بمختلف أشكال العلاقات بحثاً عن معني مجرد ..عن الجمال ..
فقدان الإحساس بالجمال هو تداخل عنيف بين مفهومي القلب عضوياً ومعنوياً يؤدي لموت عدد كبير من خلايا عضلة القلب ..والتي–بالطبع-لا يمكن تعويضها..
وعندما يتجسد الجمال في كلمات ..تصمت كل الأقلام .. وتنصت لسيدة ينابيع الإبداع ..


تلك الكاتبة الاستثنائية تلهو بالقلم –كهاوية-برشاقة بالغة فتحيله إلي باليرينة تنساب حركاتها بخفة ونعومة وانسجام علي الورق .. فتنساب الكلمات علي عينيك كحورية ..علي أذنك كترنيمة فردوسية مقدسة..علي قلبك كلقاء حبيب .. طال انتظاره..
تعزف هذه المبدعة المتفردة مقطوعات شرقية وسيمفونيات غربية.. ترسم لوحات تعبيرية بديعة التفاصيل .. وتنحت التماثيل –الكتابية- بدقة تجعل الواقع يلهث خلفها .. في سباق المحاكاة ...

عندما تُقسم فهي تقسم بكرم يديها الدافئتين .. ولا عجب .. فهذان الكفان الرقيقان ملك لإمبراطورة المشاعر والمعاني والأخيلة والأحاسيس ..

تشعر أحياناً بأنها بلا أدني هوية.. وكيف لا يراودها ذلك الشعور .. وهي مخالطة لبشر عاديين ..بشر هذا الزمان المشوه الذي أضفي تشوهه علي مخلوقاته فأضحوا وحوشاً تنهش مؤخرات بعضها البعض .. بينما هي ..تنبض بالحب لكل محيطها الخارجي الغادر....!!

لم يقال عبثاً أن الإبداع يولد من رحم المعاناة ..ولذلك فمن خط حبر قلمها هذه الكلمات" تحاول معه النهوض عن الأرضية التي كادت تلتصق بها ، متهالكةٌ تماماً روحها ... يسري الألم منها إلى نخاع عظامها فأطراف أطراف أعصاب حسها ككتيبة نمل أحمر صغير نظَم السير تحت جلدها الرقيق ... لتؤكد لدغاته ضعفها اللانهائي"
لا يصح إلا أن تكون روح شفيفة.. هائمة حولنا جميعاً .. تنفحنا كل حين بعطاياها السخية .. ننتمي إليها بكليتنا ..حيث ننتمي .. للجمال الصافي المجرد

"استوعبت جيداً أنه الواقع الذي لابد أن يواقع ، ومادامت تحيا بشهادة أنفاسها المترددة ونبضاتها المتسارعة فلا بد وأن تستذكر دروسها جيداً حتى درسها الأخير ... تحسباً لاختبارات مدرسة الحياة ،، مباغتة تأتي هي ،، محيرة ،، يأتي تاليها أكثر تعقيداً من سابقها"
وارد أن تُعجب بكتابة كاتب..أن تحب نصوصه..أن تستمتع بكلماته .. لكن أن تعشقها ..أن تقع في هواها ..فهذا هو الاختلاف ..فنصوص نورسين تجعلك تهيم بها ..تقرأها مرة واثنتين وثلاثة ..فلا تشبع..قد تدرك المعني المقصود والمغزى المختفي .. وتعبر كل مستويات القراءة..لكنك لا تستطيع الكف عن التهام تلك الوجبة الشهية لكلمات تنبض بسر الغواية ..فتوهمك بالاكتفاء والارتواء ... وما أن تغادرها ..حتي تهفو روحك العطشى....إلي المزيد..

"أكره شعوري باللاشعور ،أمقت هواياتي التي لم أهتويها "
باختصار ..هي كاتبة تكتب بالإحساس.. تكتب بعصب عارٍ لا بقلم مصمت.. ولذلك فمن الطبيعي أن يكون انعدام الشعور لها موات .. وما لم تهتويه بالطبع لم تشعر به .. فهي تقف في فناء الكتابة كراقص تنورة .. تدور وتدور .. لتمتع القاريء بألوانها الطيفية السبعة ..وقبل أن تختلط في عينه الألوان بلحظة.. يصبح متوحداً مع ألمها ..أسيراً لكلماتها .. فيغرق في محيط إبداعها ..ولا يطلب إنقاذاً..


"بنفسي خرجت من شرنقتي وملأت غرفتي ضياءاً،، لأرى ابتسامة الرضا بمرآتي، لأسدل شعري بظهري ويسري الدفء بأناملي وأتنفس أنقى أنفاسي"
تجلس المرادفات والأخيلة والمعاني والصفات والأساليب علي مقاعدها .. كل حواسها موجهة لمنتصف المسرح تماماً ..حيث تقف هي كمايسترو .. وبدلاً من العصاة السوداء الخشبية الرفيعة .. تحمل شرائط حريرية بيضاء طويلة .. أتت بها من عالمها الآخر .. لا ليست طويلة .. فالطول نصف به ما يمكن أن يقاس .. إنما كانت هذه الشرائط لانهائية الطول .. آتية من آبار الإحساس الصادق العميق .. وتبدأ المقطوعة ....


"تتمزق الصغيرة .. تتألم .. تشتاق ..تحاول الهدوء .. تحاول الاتزان"
علي سطح تلك البناية العتيقة .. وتحت شمس هادئة ونسمات عليلة .. تحمل مغزلها .. وتغزل ببطء وإحكام وعناية.. الحرف بجوار الحرف .. والكلمة قبل الكلمة .. والجملة تحتضن الجملة .. ثم تُعشِق الفقرة في الفقرة كالأرابيسك .. ثم تضفي لهيب مشاعرها .. مع قطرات من ألمها المركز المشوب بأنات روحها الجميلة ..فيخرج النص من بين يديها كقطعة خزفية بديعة .. فيتشرب من يقرأ بدفقة الإحساس التي تنتقل إليه كاملة ..ليواصل حياته ..بصورة أفضل ..


أستمر في القراءة لتلك الكاتبة الرائعة لإحساسي بأن "لي حق بالحياة لابد وأن أحافظ عليه" ..ألا وهو حق الاستمتاع بالجمال .. وأي عائق يقف في سبيل ذلك لن يكون إلا "صفر..شيء يملأ اللاشيء"..


هي سندريلا الكلمات بلا منازع ..هي ..نورسين ..


ملحوظة:السطور بالأزرق من كلمات الكاتبة.