الأحد، ٢١ سبتمبر ٢٠٠٨

والثواني جمرات في دمي



أملاً في أن تُهديء قطرات المياه المندفعة من فتحات "الدش" من التوتر والشد المتزايدان واللذان كادا يفتكا برأسي .. وقفت تحته ساكناً .. مغمض الأعين .. موجهاً رأسي للأعلى ..شردت بنات أفكاري في عدة اتجاهات فنسيت ذاتي معلقة تحت الماء لما فوق الساعة ولم أفق من شرودي إلا علي صوت ارتطام مؤلم لفكرة قاسية بجدار جمجمتي من الداخل فلملمت بنات أفكاري إلي قواعدهن .. خُرجت من تحت الماء ظاناً أني أفضل حالاً ... مجرد ظن ..


"هو صحيح الهوى غلاب ؟؟ .. معرفش أنا .. والهجر قالوا مرار وعذاب .. واليوم ..اليوم ..اليوم بسنة .." ..تشدو أم كلثوم وأتأثر تأثيراً مضاعفاً .. بل مضروباً في عشرة أضعاف ..فأشعر أن أطرافي ترتخي بل وتبدأ في الارتعاش .. ويستسلم جفنيّ السفليان لدمعتين تنفلتا علي الخدين لتغيبا في خضم أحراش شعرات الذقن المُهملة .. وأوقن أن هؤلاء من "قالوا" عن الهجر كانوا شديدي التفاؤل ..أنفلت من مدار المنزل وأنطلق بلا وجهة ..


أحاول احتضان الشارع الذي أوحشتني تفاصيله حيث لم أطأه منذ فترة ليست بالقصيرة .. فلا أجده مرحباً بي كما كنت أتوقع ..الشارع المبهج المزدحم كما عهدته أضحى مظلماً إلا قليلاً ..مقفر إلا قليلاً .. لا يقطع صمته المؤلم سوى نباحاً أو مواء ..أسير متأملاً .. محاولاً شغل عقلي بأي شيء غير ما يستبد به ويحتله من هواجس جارحة .. المحال القليلة المفتوحة-والتي تترواح الأسماء علي لافتاتها بين الوفاء والأمل –يشغلها باعة عابسون ..تمر سيارة كل فترة ببطء مميت .. يدخن سائقها بعصبية ويشتركون جميعاً في البصق من النافذة المجاورة لكرسي القيادة ..تسقط على رأسي نقاط قليلة-آخذه في التزايد- من المياه.. أُرجع سقوطها للمكيفات التي انتشرت ..ومع تكرارها أرفع رأسي لتأكيد السبب الذي افترضته فلا أجد أي مكيفات ..لا أجد إلا بعض قطع الملابس البيضاء الساكنة على أحبالها ..فأتعجب من قلة الغسالات الاوتوماتيكية بهذا الشارع والتي تتولى مهمة التجفيف ..أصبح سقوط النقاط شديد السرعة والتكرار .. رفعت رأسي للأعلى مدققاً لأرى ما لم أره من قبل .. أنهار رفيعة من المياه تتخذ مساراتها علي أوجه جميع البنايات والنقاط التي تصيبني كانت تلك المنهمرة من السطح السفلي للشرفات .. تطول وقفتي تحت كل عمارة لأتحرك عدة خطوات وأكرر الوقفة المندهشة أمام التي تليها لأجد المنظر ذاته.. هو يوم بكاء العمارات إذن ..أضحك للخاطر ولعقلي المكدود الذي يجد-دائماً – وقتاً وطاقة للمزاح .. لم تتوقف بعد ذلك قطارات اندهاشاتي المتتالية عن دهس أي افتراض واقعي .. فالشوارع الأسفلتية تُخرج مياهاً من بواطنها ..زجاج السيارات الأمامي تسيل علي أسطحه شلالات المياه والمساحات لا تتوقف عن إزالته..ليتجدد .. والحوانيت تصنع المياه المُتسربة منها بركاً دائرية أمامها .. الدموع تحاوطني من كل جانب .. من يميني من يساري .. من فوقي ومن تحتي .. مما يجعلها تكاد تنفجر من داخلي .. تخنقني ..


وفجأة .. لا أعلم من أين خرج لكنه استوقفني سائلاً عن "الساعة " .. نظرت إليه .. رجل قصير القامة ..قصير الشعر أشيبه ..شديد النحول وكأنه تمثال صُنع هيكله من المعدن ولم يُكسى ب"الجبس" بعد ..كانت أسنانه هي راية الابتسام الوحيدة في ذلك اليوم .. لم أستطع تحويل نظري عن عينيه حيث كان يملك زوجاً من العيون الزرقاء مخيفة الرؤية .. زرقتها من النوع غير المتكرر .. تحمل مزيجاً رائقاً متجانساً من درجات الأزرق حتى أنك تظنها صفحة محيط أو فص لازوردي نفيس الحجر يستقر بخاتم مليوني الثمن يلتف حول خنصر عاهرة امتلكت نصف العالم لمجرد حصولها علي قشرة جلدية خارجية جميلة لم تبذل قطرة عرق في صنعها .. هو لا ينظر إليّ ..بل ينظر نحوي ..ابتعدت عنه قليلاً فلم تتحول نظرته .. فلم أعجب أن تكون تلك الأعين كونية الجمال لا تري .. فهمت الآن سر ابتسامته ..أخبرته عن "الساعة" ..فتحرك ..إما أنه يعرف طريقه جيداً أو أنه سائر بلا وجهة مثلي .. اختفي في الظلام ..


بدأت أشعر بشحنة من الوهن تغزوني وفي طريق العودة كانت خطواتي شديدة البطء ..الصداع يقيد رأسي بأصفاد من فولاذ .. أرجلي لا تقوى علي حملي وظهري سرطاني الألم .. لم يؤلمني منذ فترة طويلة ولم أحمل شيئاً ثقيلاً .. ولكن روحي المُرهقة-كما لم تكن من قبل- ردت عليّ في سرعة .." ألا تريد لظهرك أن يتألم ..!! .. يكفيه قلبك بصدرك كحمل يحمله ..ليأن " ...
قاربت علي الوصول للمنزل ونويت النزول مرة ثانية تحت "الدش" لأهدأ من روع نفسي قليلاً وأسهل دخولها في مراحل أولية لنوم عميق وطويل .. ولكن هذه المرة كانت شلالات المياه أقوى وأعنف ..بالرغم من أني ..لم أفتح الصنبور ....!!

هناك ٦ تعليقات:

غير معرف يقول...

اولا : قبل التعليق
ساقوم بحصر العبارات التى اعجبتنى
واسطرها واحدة تلو الاخرى ها هنا

شردت بنات أفكاري في عدة اتجاهات فنسيت ذاتي معلقة تحت الماء

لم أفق من شرودي إلا علي صوت ارتطام مؤلم لفكرة قاسية بجدار جمجمتي من الداخل فلملمت بنات أفكاري إلي قواعدهن

هو يوم بكاء العمارات إذن

لم تتوقف بعد ذلك قطارات اندهاشاتي المتتالية عن دهس أي افتراض واقعي

فص لازوردي نفيس الحجر يستقر بخاتم مليوني الثمن يلتف حول خنصر عاهرة امتلكت نصف العالم لمجرد حصولها علي قشرة جلدية خارجية جميلة لم تبذل قطرة عرق في صنعها


ولكن روحي المُرهقة-كما لم تكن من قبل- ردت عليّ في سرعة .." ألا تريد لظهرك أن يتألم ..!! .. يكفيه قلبك بصدرك كحمل يحمله ..ليأن " ...

-----------------------------------
الجملة الاخيرة وحدها يمكننى ان اكتب عنها بلا نهاية

لذا سابدأ بها

الالم .. الالم .. الالم
الحزن .. الحزن .. الحزن
حينما يتحول الى كيان مادى ثقيل
كيان تأن اجسادنا بحملة
فما بالك بعضو صغير فى حجم قبضة اليد حينما يحمل هذة الاطنان الحديدية من المادة الخام للالم.. للحزن

عضو كالقلب يحمل هذة الالام
فينوء القلب بحمل الالم

وينوءالجسد بحمل القلب الذى يحوى اضاعف طاقتة من الالم والحزن

روحك المرهقة .. المرهفة
كانت جاهزة بالاجابة ليس شيئا ثقيلا حملتة سبب الامك

بل هو شئ ثقيل تحملة دوما .. قلبك المحمل بالالم

روحك المرهقة .. المرهفة
ارهقت من الالم .. مثلها مثل الجسد المرهق

والعقل الذى يكاد ينفجر من هواجسه فلم يجد تعبيرا عن احتجاجة الا الصداع

والعمارات حولك تبكى
والشوارع
والسيارات
والحوانيت

من قال ان الجمادات لا تشعر ؟
فقط هى تحتاج القدر المناسب من الالم لتنهمر دموعها .. وتظهر مشاعرها

التقطت الجمادات الالامك فبكت .. ربما لتحثك على البكاء انت الاخر .. فكما ستغسل الدموع المنهمرة
على

العمارات
السيارات
الحوانيت
والشوارع

وجوهها
وتعيد اليها .. بعضا .. من رونقها وبريقها

فربما تغسل دموعك ولو مؤقتا .. احزانك

اتذكر ابيات لشاعر مجهول :

ابكى وتلك نصيحتى ان ضقت يوما بالحياة وخاصمتك بها المسرة

ابكى فاول معطيات الحس فى الانسان عبرة

ابكى اذا يوما خاصمك السرور
ومللت اموات القلوب بلا قبور

فالدمع فى تلك الظروف .. نحتاجة كالغيث قطرة

فان استطعت ابكى ولو مثقال ذرة

وبرغم ايلام الدموع ابكى
فالدمع يؤلم دائما ان لم يفيض

ربما كانت هذا ما تحاول الجمادات حولك ان تخبرك بة ..واستجبت انت لدعوتها
حينما اندفعت شلالات المياة دون ان تفتح الصنبور

كلماتك رائعة دوما
وما يمنحها مذاق خاص
الاحساس الذى خطت بة الكلمات
قلمك مداده احساس

ربما لا ترسم انت بالالوان
لكن كما خططت لك دوما فى تعليقاتى
ترسم بالكلمات

رأيت العمارات
والشوارع
والحوانيت
والسيارات

رأيت الرجل وعينية ذات الزرقة المخيفة
لكنها اثارت بى قشعريرة ما

كنت هناك .. لا قابعة امام جهاز بارد اقرأ كلمات

ولن اقول لعجبى : فقد تدفقت هنا ايضا شلالات المياة

فانا اتوحد دوما مع ما اقرأة
اشعرة قبل ان اراة
اعيشة قبل ان اقرأ كلماتة

اعتقد ان تعليقى هذا اطول تعليق خططتة خلال هذا العام
بعد ان قاطعت التعليقات بالمدونات

لكن لم استطيع ان امتنع هذة المرة
عن التعليق
علة
يغفر لى عن طول غيابى

تحياتى
ملك القلم

غير معرف يقول...

صدقت صاحبة التعليق الاول

ملك القلم
ملك الاحساس

لاعبارات يمكن ان تكتب بعد ما كتب وإن كان أقل بكثير مما يستحق الكاتب
العنوان ، الصورة ، الحروف النابضة الحارة الصارخة اللاطمة على صدور قارئيها بشدة تذهب معها ارواحهم الى حيث تمكث تلك الروح المرهقة ، المرهفة ، لتقتسم معها الالم ، تشاركها الوحدة ،تحزن هي الاخرى وتحزن وتحزن
يآلذلك المداد الدامي الذي كتبت به هذه الكلمات

هل لابد من ألم يعلوه ألم على ألم ؟؟
حتى تولد سطور هذه .. أي مخاض ذاك؟؟

ليبتلع الجحيم ألمك ويذهب بمن آلمك الى حيث لا رجعة ..

مبدعي الاول والاخير
اسمح لي
ستبقى انت أنت
مهما حصل ...

لك التحية

horas يقول...

shereen:
لا اعرف كيف اشكرك على تلك السيمفونية الرائعة
وهل سيكفيك حينها
كلمات الشكر ؟؟

horas يقول...

صاحبة التعليق الثاني :
عرفتك
رغم انك لم توقعي تعليقك بإسم
ومن ضمن الف الف كلمات
اشتم كلماتك
اشعر بها
احسها
ولكني اعتب عليك الدعاء علي من كان سبب المي
لأنه دعاء علي أنا ..شخصيا
ولا اعتقد انك ترغبين في ان اذهب الى الجحيم ..


ومن ناحية انى سأبقى أنا أنا مهما حصل
فلا أحد يبقي كما يكون
بمجرد ان يحدث
أقل شيء

أخالفك في تلك الجملة
تماما


اشكرك كثيرا
اشكرك على كل شيء

سقراط يقول...

انا وافد جديد على مجتمع التدوين
واول مرة ازور مدونتك
بس ان شاء الله مش هاتكون اخر مرة
بحييك على التدوينة الجميلة دي

horas يقول...

سقراط:
أهلا بيك دايما
وشكرا على تعليقك
ومرحبا بيك في متاهة التدوين!!